الحمد لله رب
العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام
الأولين والآخرين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
فإن الله سبحانه وتعالى ،
قد جعل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الشرائع الإسلامية ، ورضي الإسلام
دينا لخير أمة أخرجت للناس ، كما بعث الرسل بدين الإسلام وجعله المرضي له ، دون
غيره من الأديان ، قال تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } وقال سبحانه وبحمده :
{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } وقال عز وجل
: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
}.
فالكمال الذي من الله به في الشريعة الإسلامية التي بعث الله بها محمدا صلى
الله عليه وسلم موجود في أوامرها ونواهيها وسائر أحكامها ، من تحقيق لكل ما تحتاجه
النفوس وتتطلبه المجتمعات مهما جد في حياتها من مؤثرات أو ظهر من اختراعات
.
وذلك أن بعض ديانات الأرض اليوم المخالفة للإسلام لا يجد المتمعن في
معتقداتها ما يتلاءم فكرا وعملا مع متطلبات ومظاهر حياة هذا العصر ، ولا ما يريح
النفوس من المؤثرات المحيطة ، فنشأ لديهم رغبة بفصل الدين عن الدولة في مثل قولهم :
دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
لكن الموضوع في الإسلام يختلف؛ لأن النفوس
عندما تشعر بالأزمات تنتابها ، وبالمشكلات تحل قريبا منها ، تجد في دين الإسلام
وتشريعاته الراحة والمخرج . وكلما بعدت عن دين الإسلام وضعف وازع الإيمان فيها كثرت
الهموم في النفوس وتعددت المشكلات في المجتمع . وهذا ما يسمونه في العصر الحاضر :
القلق النفسي .
وما هذه الحركات الإسلامية التي تنبع من الشباب في كل بلد
إسلامي إلا عودة جديدة لدين الإسلام الذي تريح أوامره وشرائعه النفوس ، وتتجاوب مع
متطلبات المجتمعات في كل عصر ومكان .
والشباب في أي أمة من الأمم ، هم العمود
الفقري الذي يشكل عنصر الحركة والحيوية إذ لديهم الطاقة المنتجة ، والعطاء المتجدد
، ولم تنهض أمة من الأمم غالبا إلا على أكتاف شبابها الواعي وحماسته المتجددة
.
إلا أن اندفاع الشباب لابد أن تسايره حكمة من الشيوخ ، ونظرة من تجاربهم
وأفكارهم ولا يستغني أحد الطرفين عن الآخر . وإن أمة الإسلام ، وهي أمة الرسالة
الباقية ، وذات الصدارة بين الأمم عندما أكرمها الله بهذا الدين ، وببعثة سيد
المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، كان للشباب فيها مكان بارز في ركب الدعوة
المباركة ، كما كان للشيوخ مكان الصدارة في التوجيه والمؤازرة . وانطلق الجميع
بقيادة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، يؤسسون دولة الإسلام الأولى والتي
امتدت إلى آفاق بعيدة ، ورفرفت راية الإسلام عالية فوق غالب المعمورة ، في عصور
الإسلام المختلفة التي كان الشباب في الطليعة يذودون عن حياض الإسلام ، ويدافعون عن
ديار المسلمين ، باليد واللسان ، علما وعملا . ففي الوقت الذي كانوا يتقدمون فيه
صفوف الجهاد لإعلاء كلمة الله كانوا أيضا يتزاحمون بالمناكب في حلقات العلماء
وجلسات الشيوخ ، يلتقطون الحكمة من أفواههم ، ويستنيرون بما عندهم من علوم ،
ويتلقون منهم النصح والإرشاد ، ويستفيدون من ثمرة جهودهم وتجربتهم لمناهج الحياة
المقرونة بالتطبيق العملي للإسلام وشرائعه .
وكان من الشباب القادة لألوية
الجهاد ، والمندفعون لتبليغ دين الله ، والذين سارت الجيوش الإسلامية تحت ألويتهم ،
وحقق الله النصر المؤزر على أيديهم . وتاريخنا الإسلامي حافل بالشباب المجاهد
العامل والشيوخ المجربين المجاهدين رحمهم الله .
ولقد استمر الشباب المسلم في
عطاء الخير المتجدد في الحروب الصليبية في الشام والأندلس وغيرها من المواقف التي
يتصادم فيها الحق بالباطل حتى اليوم ، فغاظت تلك الحماسة أعداء الإسلام ، حيث سعوا
إلى وضع العراقيل في طريقهم ، أو تغيير اتجاههم ، إما بفصلهم عن دينهم أو إيجاد هوة
سحيقة بينهم وبين أولي العلم ، والرأي الصائب في أمتهم ، أو بإلصاق الألقاب المنفرة
منهم ، أو وصفهم بصفات ونعوت غير صحيحة ، وتشويه سمعة من أنار الله بصائرهم في
مجتمعاتهم ، أو بتأليب بعض الحكومات عليهم .
كل هذا قد يؤدي بالتالي إلى ظهور
حركات تتسم بطابع الوقوف من المجتمع والقيادات ، موقفا قاسيا ومضادا ، قد يصل إلى
نوع من المواجهة في بعض الأحيان ، أو العمل السري الذي قد يخالطه ما يشينه ، أو
يغير من مجراه الطبيعي . وإلى جانب هذا يرى في العالم بأسره حركات إسلامية ، قد
ظهرت على السطح ، وبعضها في أمريكا وأوروبا ، تتفهم الإسلام ، وتدعو إليه ، وترى
فيه العلاج لما في العالم من قلق ومشكلات أهمها جنوح الشباب ، والمؤثرات فيهم
.
هذه الحركات كان للشباب فيها دور كبير ، وأفعال مؤثرة ، تدعو للتبصير
والمؤازرة ، إلا أن بعضها وخاصة في بعض الدول الإسلامية قد تعرض للكبت والمضايقة
والاضطهاد والملاحقة . وبعضها استمر في أداء الدور الذي تنادي به تعاليم الإسلام في
سبيل الدعوة والاهتمام بتبصير المسلمين عما جد في حياتهم ، ولا يسير وفق منهج
الإسلام .
وقد كان لهذا النوع ، وما زال أثر طيب بحمد الله في إصلاح أوساط
الشباب ، وإقامة كثير من المجتمعات على جادة الحق والهدى ، في داخل العالم الإسلامي
وخارجه عن طريق الكتاب الإسلامي والمنبر ، والمحاضرات ، والمخيمات والمعسكرات
الإسلامية التي يلتقي المسلمون فيها من عدة أقطار ، فيتذكرون علوم دينهم ، ومشكلات
مجتمعهم ، ويتفهمون الواقع من حولهم ويعملون بقول الله تعالى : { فلولا نفر من كل
فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون
}.
ثم يحرصون على تنظيم أوقات الفراغ في العمل المثمر وقد استغل الغربيون
والشرقيون هذا الفراغ في أعمال مختلفة ، فلم تحقق النتيجة المرغوبة لامتصاص طاقة
الشباب ، وتوجيههم .
إن دور الشباب المسلم الذي يسير وفق تعاليم الإسلام ، دور
عظيم في إصلاح النفوس وتوجيه المجتمع والمحافظة على سلامته وأمنه ، لا ينكره إلا
أعداء الإسلام ، الذين يدركون مكانة الإسلام ، وسموه في استجلاب من يرغب ، منصفا في
طريق العدالة ، والأخلاق الكريمة والاستقامة والتوازن في البيئة ، والأمن
والاستقرار في المجتمع .
وإن من أهم ما يجب ملاحظته ، ونحن نتحدث عن دور الشباب
في الحركات الإسلامية قديما وحديثا ما يلي :
1- العناية بالشباب منذ نعومة
أظفارهم ، وذلك بتوجيههم الوجهة الإسلامية ، والاهتمام بمناهجهم التعليمية ، وإبعاد
المؤثرات الضارة بأخلاقهم ، والعمل على ربطهم بدينهم وبكتاب ربهم ، وسنة نبيهم ،
وأن يعنى العلماء ورجال الفكر الإسلامي باحتضانهم وتقبل آرائهم واستفساراتهم ،
وإرشادهم إلى طريق الحق والصواب ، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن
لاستعدادهم لتقبل التوجيه ، من منطلق الرأي الصائب ، الذي يحدده الإسلام ، ويحث
عليه .
2- الحرص على إيجاد القدوة الحسنة في المدرسة والبيت ، والنادي والشارع
وفي أسلوب التعامل ، وعدم وجود المظاهر المنافية للإسلام ، والتي قد تحدث لديهم
شيئا من الشك والريبة أو التردد في القبول ، أو اعتزال المجتمع ، والشكوك فيه ،
بدعوى أنه مجتمع غير مطبق للإسلام يقول أبناؤه بخلاف ما يعملون . وبهذا كله يحصل
الانفصال ، وتحدث التصرفات المتسرعة غير المنضبطة ، والتي تكون نتائجها غير سليمة
على الفرد والمجتمع ، وعلى العمل الإسلامي . ولا تعود بالفائدة المرجوة على الشباب
أنفسهم .
3- عقد لقاءات مستمرة مع الشباب ، يلتقي فيها ولاة الأمر والعلماء
والمسئولون في البلاد الإسلامية بالشباب تطرح فيها الآراء والأفكار ، وتدرس
المشكلات دراسة متأنية وتعالج فيها القضايا والمسائل التي تحتاج إلى جواب فاصل فيما
عرض ، حتى لا تتسرب الظنون الخاطئة وتتباعد الأفكار ، وينحرف العمل الإسلامي الذي
يتحمس له هؤلاء الشباب ، لغير الدرب الحقيقي ، والمنطلق الذي رسمته تعاليمه . وتتم
هذه اللقاءات في جو من الانفتاح لإبداء الرأي المتسم بالأخوة والمحبة والثقة
المتبادلة بعيدا عن التعصب للرأي ، أو التسفيه للآراء ، أو تجهيل الآخرين .
إن
الشباب بتوجيههم ورعايتهم ، مثل النبتة إذا أحسن الزارع رعايتها نمت وأثمرت ، وإذا
أهملت تعثر نموها وفقد الثمر منها مستقبلا . والشباب فيه طاقة حيوية ، يحسن
الاستفادة منها وتنميتها ، وأسلم منهج في الحياة يربط الشباب بدينه وعلمائه وأمته
وبلاده ، هو منهج الإسلام . فكلما ابتعد الشباب عن منهج دينهم الواضح ، وسلكوا طريق
الغلو أو الجفاء ، أو التشدد والانعزال فإن النتائج ستكون وخيمة ولا حول ولا قوة
إلا بالله .
وإن مسئولية ولاة الأمور : من قادة وعلماء ومفكرين ، مسئولية عظيمة
، في الأخذ بأيديهم ورعايتهم وتوجيههم نحو منهج الإسلام ، وتوضيحه لهم ، ليأخذوه ،
منهجا وسلوكا ، وليسيروا وفق تعاليم شريعته ، قدوة وتطبيقا .
وهذا من أوجب
الأمور وأكمل العلاج ، وهو من باب النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين
وعامتهم الذي به يكتمل الإيمان ، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم
.
كما أن ترك الشباب عرضة للأفكار الهدامة ، والتصورات الخاطئة وعدم الأخذ بيده
، وتفهم آرائه وأفكاره ، والإجابة عن كل تساؤلاته ، وإيضاح الرأي الصحيح أمامه قد
يفضي إلى ما لا تحمد عقباه . فالواجب الأخذ بيده ليتجنب كل ما يضر ويسلك ما ينفع ،
كما فعل سلفنا الصالح رضوان الله عليهم وفي عصور التاريخ المختلفة حيث لم يحدث ردود
فعل ذات خطر على الفرد والجماعة . فليتعاون ولاة الأمور كبارا وصغارا ، علماء
ومتعلمين ، مفكرين ومسئولين ، مع الشباب في البيوت والمدارس ، وفي المجتمعات
والجامعات ، كل هؤلاء يتعاونون على إرشاد الشباب وتوجيهه ، وتهيئة الأجواء السليمة
له ليبدع فيها ، في ظل العقيدة الإسلامية السمحة منهج الإسلام الحكيم . والله نسأل
أن يوفق أمة الإسلام شيبا وشبابا ، قادة وشعوبا ، إلى العمل بما يرضي الله توجيها
وتبصيرا وعملا واقتداء ، وأن يصلح القلوب والأعمال ، وأن يهدي الجميع صراطه
المستقيم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو الهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
0 التعليقات:
إرسال تعليق