أدخل كلمة للبحث

  • تسجيل الدخول
  • الفهرس
  • القرآن الكريم
  • أمثلة و حكم
  • اتصل
  • السبت 12, أبريل 2025








بلاغ عام

حصريا بالموقع

    • اسماء الله الحسنى: مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة

      اسماء الله الحسنى: مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.توطئة: أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس أسماء الله الحسنى، وفي هذا الدرس نتحدث بشكل عام عن مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة إلى الله. 1 – القوة الإدراكية في الإنسان: بادئ ذي بدء، لقد أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وميّزه بهذه القوة عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية تستلزم طلب الحقيقة، فقد خلق فيه حاجة عليا للمعرفة، وما لم تلبَّ هذه الحاجة العليا، وما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة، وما لم يبحث عن سر وجوده، وعن غاية وجوده، وعن أفضل شيء يمكن أن يفعله في وجوده فقد هبط عن مستوى إنسانيته، هناك حاجات سفلى، وحاجات دنيا، وهناك حاجات عليا مقدسة. فالله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان هذه القوة كي تلبَّى، لذلك الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة، والذي يتعرف إلى سر وجوده، وإلى غاية وجوده هو إنسان لعله اقترب من أن يؤكد ذاته، ويحقق وجوده في الأرض. 2 – أصلُ الدين معرفةُ الله: النقطة الدقيقة أن أصل الدين معرفة الله، وفضلً معرفة الله على معرفة خَلقه كفضل الله على خلقه، وكم هي المسافة كبيرة جداً بين أن تعرف شيئاً من مخلوقات الله وأن تعرف خالق السماوات والأرض، المسافة كبيرة جداً، فعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))[رواه الدارمي في سننه] والآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه، فلذلك ما من معرفة تعلو على أن نعرف الله عز وجل: (( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء))[ورد في الأثر] أيها الإخوة الكرام، لو أن طفلاً صغيراً قال: معي مبلغ عظيم، كم نقدر هذا المبلغ ؟ نقدره مئتي ليرة مثلاً، أما إذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى: أعددنا مبلغاً عظيماً للحرب، فإنك تقدره مئتي مليار، الكلمة نفسها قالها طفل فقدرناها برقم، وقالها إنسان آخر فقدرناها برقم، فإذا قال خالق السماوات والأرض: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾( سورة النساء ) 3 – لا شيء يعلو على مرتبة العلم: لذلك لا شيء يعلو على مرتبة العلم، وإذا أدرت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل. بالمناسبة، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاًَ. 4 – معرفةُ الآمرِ قبل معرفة الأمر: أيها الإخوة الكرام، هناك نقطة دقيقة جداً ؛ يمكن أن تتعرف إلى الله، ويمكن أن تضعف معرفتك بالله، وتتعرف إلى أمره ونهيه، لكن الحقيقة الصارخة أنك إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، بينما إذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر. كأنني وضعت يدي على مشكلة العالم الإسلامي الأولى، الصحابة الكرام قلة، وقد وصلت راياتهم إلى أطراف الدنيا، لأنهم عرفوا الله، وحينما اكتفينا بمعرفة أمره، ولم نصل إلى معرفته المعرفة التي تحملنا على طاعته كما ترون حال العالم الإسلامي فإننا لسنا ممكَّنين، والله عز وجل يقول: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي (55) ﴾( سورة النور) نحن كما في الآية الكريمة، وهذا هو الواقع المرّ، نحن لسنا مستخلَفين، ولسنا ممكَّنين، ولسنا آمنين، والكرة في ملعبنا، لأنه: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) ﴾( سورة مريم) إذاً: الفرق واضح بين الرعيل الأول من الصحابة الكرام الذين عرفوا الله، وطبقوا منهجه، فاستحقوا وعود الله عز وجل، وكما تعلمون جميعاً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين. على كلٍّ ؛ قضية العلم واسعة جداً، قال بعض العلماء: هناك علم بخلقه، يعني عندنا واقع، والعلم وصف ما هو كائن، هناك ظواهر فلكية، علم الفلك، ظواهر فيزيائية، علم الفيزياء ظواهر كيميائية، علم الكيمياء، ظواهر نفسية علم نفس، ظواهر اجتماعية علم الاجتماع، فالعلم مختص بما هو كائن، وهو علاقة مقطوع بها بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل، هذا هو العلم. 5 – العلم بخَلقه أصلُ صلاح الدنيا، والعلمُ بأمْره أصل صلاح الآخرة: لكن هناك شيء آخر، هناك علم بأمره، العلم بخَلقه من اختصاص الجامعات في العالم، أية جامعة تذهب إليها فيها كليات العلوم، والطب، والهندسة، والصيدلة، وما إلى ذلك، هذا علم بخلقه، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، والمسلمون مفروض عليهم فرضاً كفائياً أن يتعلموا هذه العلوم كي يكونوا أقوياء، لذلك العلم بخلق الله أصل في صلاح الدنيا، أما العلم بأمره فأصل في العبادة، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( سورة الذاريات )العبادة:1 – تعريف العبادة:س والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.2 – الكليات الثلاث في العبادة: هذا التعريف فيه كليات ثلاث، فيه كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية:الكلية السلوكية هي الأصل، وما لم يستقم المسلم على أمر الله فلن يستطيع أن يقطف من الدين شيئاً، هذه الكلية السلوكية. المؤمن ملتزم، المؤمن مقيَّد بمنهج الله عز وجل، المؤمن في حياته منظومة قيم، عنده فرض، عنده واجب، عنده سنة مؤكدة، سنة غير مؤكدة، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام، العلم بأمره أصل في قبول العبادة.3 – العبادات شعائرية وتعاملية: بالمناسبة العبادة واسعة جداً، هناك عبادة شعائرية، وهناك عبادة تعاملية، العبادات الشعائرية منها الصلاة والصوم لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال بعض العلماء: " ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة:(( والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا ))[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند ضعيف]العلمُ بأمر الله ونهيه فرض عين: هناك علم بخلق الله، والمسلمون مدعوون إلى طلب هذا العلم، بل هو عليهم فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، وهو أصل في صلاح الدنيا، بينما العلم بأمره أن تعرف الحلال والحرام، أن تعرف أحكام التعامل التجاري، أحكام التعامل اليومي، هذه كلها من أحكام الفقه، ولا بد من أن يتعرف الإنسان إليها، لتأتي حركته في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل. إنك بالاستقامة تسلم، لأنك تطبق تعليمات الصانع، وما من جهة في الأرض أجدر من أن تتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة، لأنها الجهة الخبيرة وحدها: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾( سورة فاطر الآية: 19 ) العلم بأمره فرض عين على كل مسلم، العلم بخَلقه فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، بينما العلم بأمره فرض عيني على كل مسلم، كيف تعبد الله ؟ من أجل أن تعبده لا بد من أن تعرف أمره ونهيه، فالعلم بخلقه من أجل صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، وعلم بأمره من أجل قبول العبادة.العلمُ بأمر الله يحتاج إلى دراسة، والعلم بالله يحتاج على مجاهدة: لكن بقي العلم به، العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة، إلى مدرس، إلى كتاب، إلى وقت، إلى مطالعة، إلى مذاكرة، إلى مراجعة، إلى أداء امتحان، إلى نيل شهادة، ولكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة. أنت حينما تلتزم، وحينما تأتي حركتك في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل عندئذ يتفضل الله علينا جميعاً فيمنحنا وميضاً من معرفته جل جلاله، فلذلك العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، وعلم بأمره يحتاج إلى مدارسة أيضاً والعلم بخلقه وبأمره أصل في صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، والثاني أصل في قبول العبادة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، فبقدر ما تضبط جوارحك، بقدر ما تضبط حركاتك وسكناتك، بقدر ما تضبط تطلعاتك وبيتك وعملك، بقدر ما يتفضل الله عليك بأن يمنحك شيئاً من معرفته.طرق معرفة الله تعالى: الحقيقة نحن أمام طرق ثلاثة سالكة:الطريق الأولى: النظرُ في الآيات الكونية: أول بند آياته الكونية، قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) لذلك من أجل أن نعرف الله عز وجل لا بد من أن نتفكر في مخلوقاته، والآية واضحة جداً، وفيها إشارة دقيقة إلى أن المؤمن يتفكر في خلق السماوات والأرض تفكراً مستمراً، والفعل المضارع ( يتفكرون ) يدل على الاستمرار، فمن أجل أن أعرف الله ينبغي أن أتفكر في مخلوقاته. هذا الكون أيها الإخوة الكرام ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقد قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي. أول شيء، هناك آيات كونية تحتاج إلى تفكر، الآيات الكونية نتفكر بها، وهذا طريق آمن، لأن كل ما في الكون يعد مظهراً لأسماء الله الحسنى، وهذا موضوع الدرس الأول. ترى في الكون رحمة، إذاً: الله رحيم، ترى في الكون حكمة، إذاً: الله حكيم، ترى في الكون قوة، الله قوي، ترى في الكون غنى الله غني، فكأن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا طريق إلى معرفة الله. بالمناسبة في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون. أيها الإخوة الكرام، بربكم إن قرأت آية فيها أمر، تقتضي هذه الآية أن تأتمر، وإن قرأت آية فيها نهي، تقتضي هذه الآية أن تنتهي، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل الجنة تقتضي هذه الآية أن تسعى لدخول الجنة، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل النار تقتضي هذه الآية أن تتقي النار، ولو بشق تمرة، وإن قرأت قصة أقوام سابقين دمرهم الله عز وجل تقتضي هذه الآية أن نتعظ، وأن نبتعد عن كل عمل يفعله هؤلاء. الآن السؤال: وإذا قرأت آية فيها إشارة إلى الكون، إلى خلق الإنسان، ماذا تقتضي هذه الآية ؟ تقتضي هذه الآية أن تفكر في خلق السماوات والأرض. أيها الإخوة الكرام، ألف وثلاث مئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون، وخلق الإنسان، والآية مرة ثانية أرددها على مسامعكم: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) هذا طريق سالك إلى الله، وهو التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو طريق سالك وآمن ومثمر.الطريق الثانية: النظرُ في أفعالِ الله تعالى: هناك طريق آخر، قال تعالى:﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) ﴾( سورة النحل ) الآن الطريق الثاني في معرفة الله: أن تنظر في أفعاله، الله عز وجل فعّال لما يريد، وأفعاله متعلقة بالحكمة المطلقة، وقد قال بعض العلماء: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وأراده الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق. بالمناسبة، هناك آيات كونية هي خَلقه، وهناك آيات تكوينية هي أفعالُه، وهناك آيات قرآنية كلامُه، إذاً: طريق معرفة الله التفكر في آياته الكونية خلقه، والنظر في آياته التكوينية أفعاله، ثم تدبر آياته القرآنية. ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لـــما وليت عنا لغيرناو لــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتناولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحـبناولو نسمت من قربنا لك نسمـــة لمت غريباً و اشتياقاً لقربنـــا***آية فيها سلامة الإنسان: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ أيها الإخوة الكرام: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾( سورة الرعد الآية: 28 ) في القلب فراغ لا يملأه المال، ولا تملأه المتع، ولا تملأه القوة، نحن بحاجة إلى الإيمان، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾( سورة طه ) الإنسان مجبول على حب وجوده، وعلى جب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، سلامة وجوده أساسها تطبيق منهج الله، وكمال وجوده أسها القرب من الله عز وجل، واستمرار وجوده أساها تربية الأولاد كي يكون هذا الابن استمراراً لأبيه.أربع مساحات في الإسلام:1 ـ مساحة العقيدة:العقيدة أخطر المساحات الأربع: أيها الإخوة الكرام، إذا: يمكن أن نرمز إلى الإسلام بمثلث فيه أربع مساحات، المساحة الأولى: مساحة العقيدة، وأخطر شيء في الإسلام العقيدة، لأنها إذا صحت صح العمل، وإذا فسدت فسد العمل. بالمناسبة، الإسلام يقدم للإنسان تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة للكون والحياة والإنسان، لمجرد أن تقرأ القرآن الكريم فأنت أمام منظومة تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة، تعرف سر الحياة الدنيا، لماذا أنت في الدنيا ؟ ما حكمة المرض ؟ ما حكمة المصائب ؟ لماذا هناك موت ؟ وماذا بعد الموت ؟ ماذا قبل الموت ؟ من أين جئت ؟ وإلى أين أنا ذاهب ؟ ولماذا عندك أمن عقائدي ؟ لذلك إذا شرد الإنسان عن الله، وتوهم أفكاراً معينة، وآمن بها قد يفاجأ مفاجأة صاعقة، أن هذه الأفكار غير صحيحة، أما حينما يؤمن بالله، ويؤمن بمنهجه، والمنهج يقدم له تفسيراً عميقاً دقيقاً متناسقاً لحقيقة الكون، ولحقيقة الحياة الدنيا، ولحقيقة الإنسان عندها يفلح. فلذلك في هذا المثلث المساحة الأولى مساحة العقائد، لذلك الخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، أفضل ألف مرة أن تقع في خطأ في مفردات المنهج من أن تقع في خطأ في أصل التصور، فالميزان غير منضبط لو استخدمته مليون مرة فالوزن غير صحيح، أما إذا كان منضبطاً، وأنت أخطأت بقراءة الرقم فهذه مرة واحدة، فالخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر. لذلك أفضل ألف مرة أن نخطئ في الوزن من أن نخطئ في الميزان، فالمساحة الأولى في المثلث هي مساحة العقيدة، فإن صحت صحّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، وما من انحراف في السلوك إلا بسبب انحراف في العقيدة، ولو أن العقيدة لا يتأثر بها السلوك فاعتقد ما شئت، ولكن ما من خطأ في العقيدة إلا وينعكس خطأ في السلوك. للتقريب: أحياناً يخطئ الطيار في تحديد الهدف في الجو بميليمتر واحد، هذا الميليمتر في الجو ينقلب في الأرض إلى كيلو متر، فالخطأ في العقيدة له آثار سيئة جداً، لذلك يجب أن تصح عقائدنا، والإنسان بحاجة إلى أن يراجع ما يعتقد، أحياناً يعتقد شيئا غير صحيح، خرافة أحياناً، شيئا شاع بين الناس، فلابد من بحث في العقيدة، والشيء الدقيق أن الله لو قبِل من إنسان عقيدة تقليداً لكان كل الضالين في الأرض مقبولين عند الله، لكن لأن الله عز وجل يقول:﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾( سورة محمد ) لا تقبل العقيدة من المؤمن إلا تحقيقاً، قضية التقليد مرفوضة، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾( سورة محمد )2 ـ مساحة العبادة:الأصل في العبادات المنعُ والحَظْرُ: المساحة الثانية في المثلث مساحة العبادات، والأصل في العبادات الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، لأن العبادات قربات إلى الله، والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( سورة الذاريات ) والعبادة علة وجودنا، بل هي سر وجودنا، لكن لهذه العبادة مفهومات دقيقة جداً، ولها مفهومات واسعة. العبادة تدور مع الإنسان حيثما دار في كل أوقاته، وفي كل أحواله، وفي كل شؤونه فلذلك، المساحة الثانية العبادات.لا تصح العبادات الشعائرية إلا إذا صحت العبادات التعاملية: أخطر ما في الموضوع أن العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))[ مسلم عن أبي هريرة ] هذه الصلاة. الصوم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ] الحج:(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))[ ورد في الأثر ] الزكاة، قال تعالى: ﴿ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ {53} ﴾( سورة التوبة الآية: 53 ) شهادة أن لا إله لا الله:(( من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ] فالعبادات الشعائرية كالصلاة والصوم لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، فلذلك المساحة الأولى مساحة العقائد، والمساحة الثانية مساحة العبادات.3 ـ مساحة المعاملات: والمساحة الثالثة مساحة المعاملات، سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما لما سأله النجاشي عن الإسلام ماذا قال ؟ قال: (( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ))[ أحمد عن أم سلة ] إذاً: الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:(( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ))[ متفق عليه عن ابن عمر ] الإسلام بناء أخلاقي، والعبادات الخمس أركان الإسلام، لذلك قالوا: الإيمان هو الخَلق، ومن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان. أول مساحة العقائد، الثانية العبادات، الثالثة المعاملات: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام. والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا.4 ـ مساحة الأخلاق: المساحة الأخيرة مساحة الأخلاق:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ما لم تكن متمسكاً بمكارم الأخلاق، ما لم يكن منصفاً، ما لم يكن متواضعاً، ما لم يكن رحيماً فكأنك لن تقطف ثمار هذا الدين.خاتمة: أيها الإخوة الكرام، هذا تقديم وتمهيد لموضوع أسماء الله الحسنى، يقول الله عز وجل:﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) ﴾( سورة طه ) ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾( سورة الأعراف ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))[ متفق عليه ] وهاتان الآيتان وهذا الحديث نشرحهما إن شاء الله في درس قادم.والحمد لله رب العالمين

    • الصَّلاة

    • المصائب

بالصوت و الصورة

الأحد، 25 ديسمبر 2016
chalhaoui

شباب (الإنترنت).. مخاطر ومحاذير




 
شباب (الإنترنت).. مخاطر ومحاذير


قد لا نبالغ إذا أطلقنا على الجيل الحالي من الأطفال والشباب لقب "جيل الإنترنت" فالأرقام العالمية تشير إلى أن استخدام الشباب للشابكة بدأ يتزايد بسرعة شديدة على مستوى دول العالم، والخطورة في ذلك أن الشابكة (الإنترنت) تفتح أبواب الإباحية بكل صورها أمام الشباب، نتيجة غياب الضوابط الأخلاقية، والذي يجعل منها وسيلة هدم وتدمير للقيم والأخلاق والأسر والمجتمعات.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت إحصائية حديثة أن عدد الأمريكيين من عمر سنتين إلى المراهقين بعمر 17 سنة من المستخدمين للشابكة (الإنترنت) تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1997، وتشير الإحصائية إلى أن أكثر من 25 مليون حَدَثٍ استخدموا الشابكة خلال عام 2000 مقابل ثمانية ملايين خلال عام 1997، ومن المؤكد أن هذا الرقم قد تضاعف عدة مرات منذ عام 2000م حتى الآن، ومن المتوقع أن يتضاعف عدة مرات في السنوات القليلة القادمة. 
ومن هنا فقد فتح الحاسوب آفاقاً جديدة أمام الشباب، وتحولت الشابكة (الإنترنت) بالنسبة لهم إلى ساحر جديد يستهلك الوقت، ويضع أمامهم مجالات واسعة للمغامرة غير مأمونة العواقب، مما بات يشكل تهديداً قوياً للقيم الأخلاقية، ويجعلهم عرضة لأنواع مختلفة من المعلومات والصور والأحداث التي لا تتناسب مع مراحلهم السنية.
وفي عالمنا العربي والإسلامي بدأ (الإنترنت) ينتشر وإن كان بمعدلات أقل من انتشاره في أمريكا والغرب، وبدأنا نرى مقاهي (الإنترنت) التي أصبحت مشهداً مألوفاً في شوارع المدن العربية والإسلامية، وكثيراً ما نرى لافتات هذه المقاهي لجذب الشباب إلى قضاء أوقات فراغهم أمام شاشاتها التي قد لا تتوافر لهم في منازلهم.
ومقاهي (الإنترنت) هي نواد تتيح لروَّادها الدخول في عالم الشابكة، والمشاركة في تجمُّعات المحادثة عليها، والتجول بين مواقعها بكل ما تحتوي عليه من خير وشر.
ففي شوارع القاهرة ومدن أخرى كثيرة أصبحت اللافتات التي تعلن عن وجود مقاهي (الإنترنت) مظهراً مألوفاً، وأصبح بإمكان المواطنين ممن لديهم دراية بالإنترنت أن يبعثوا الرسائل الإلكترونية التي يتبادلون فيها الآراء عن الحياة والعلاقات الاجتماعية والشؤون الجارية.

* الوافد الجديد:
السؤال الذي يطرح نفسه مع انتشار هذا الوافد الجديد هو: ماذا يرى الشباب على الإنترنت؟ وما المواقع التي يحرصون على تصفحها والتجول فيها؟
إن هناك مؤشرات قوية تقول: إن قطاعاً كبيراً من الشباب يستخدمون (الإنترنت) في تبادل المواعيد، وإقامة علاقات إباحيَّة مع فتيات من دول مختلفة، ومن يدخل غرف الحوار والمحادثة (الدردشة/ الشات) يدرك هذا الأمر جيداً، ولذا نقول: إن الشابكة أصبحت سلاحاً ذا حدَّين، وإذا غابت الضوابط الأخلاقية لدى الشباب، فسيصبح هذا الوافد الجديد وسيلةَ هدم وتدمير للقيم والأخلاق والأسر والمجتمعات.
لقد أصبحت الشابكة ملتقى للشباب من الجنسين، الذين يخشون من التلاقي علانية، إذ أصبح بوسعهم التواصل فيما بينهم عبر البريد الإلكتروني، أو تبادل أطراف الحديث عبر غرف المحادثة (الدردشة)، كما أن الشباب العرب الذين قد يضطرون إلى زيجات تقليدية يستعينون الآن بالشابكة للقاء شريك حياتهم عبر مواقع التخاطب الإلكتروني.

* الأخطار الأخلاقية:
لعل الأخطار الأخلاقية للشابكة على الشباب تتزايد يوماً بعد يوم، فقد فتحت لهم أبواب الإباحيَّة بكل صورها، وبلا حدود أو ضوابط، وألقت بهم في محيط من الإباحيَّة متلاطم، وخضم من الرَّذيلة عميق، يسحق الفتى والفتاة ليلقي بهما في بحر الرذيلة والانحراف، فحجم ترويج الإباحية وتصديرها عبر الشابكة فاق كل الحدود والتصورات، برغم المخاطر العظيمة التي تجرُّها الإباحيَّة على المجتمعات.
ولقد ذكرت وزارة العدل الأمريكية في دراسة لها أن تجارة المواد الإباحية تجارة رائجة جداً، يبلغ رأس مالها نحو مليار دولار، ولها أواصر وثيقة تربطها بالجريمة المنظَّمة، وإن تجارة الإباحيَّة هذه تشمل وسائل عديدة كالكتب، والمجلات، وأشرطة الفيديو، والقنوات الفضائية الإباحيَّة والشابكة.
وتفيد الإحصاءات الصادرة من الاستخبارات الأمريكية (FBI) أن تجارة الإباحيَّة هي ثالث أكبر مصدر دخل للجريمة المنظمة بعد المخدرات والقمار، إذ بأيديهم 85% من أرباح المجلات والأفلام الإباحية.
وفي أمريكا وحدها - كما يقول الدكتور مشعل بن عبدالله القدهي الأستاذ المساعد في معهد بحوث الحاسب الآلي في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - أكثر من تسع مئة (900) دار سنما متخصِّصة بالأفلام الإباحيَّة، وأكثر من خمس عشرة ألف (15000) مكتبة ومحل فيديو تتاجر بأفلام ومجلات إباحية. ومع أن أمريكا في الماضي كانت تحارب إلى درجة كبيرة انتشار الإباحية في مجتمعها بفرض بعض الأنظمة والقوانين، فإن من الملاحظ في هذا العصر أن المعارضين لانتشار الإباحيَّة بدؤوا يخسرون هذه الحرب، فقد نجحت (الاستوديوهات) في تخفيف المراقبة على الأفلام الإباحيَّة.
ولقد أُلغي في أمريكا بأَخَرَة قانون "العفَّة في الاتصالات" ليتمكَّن الناس من الاستمرار في أعمال الإباحيَّة دون أي قيود قانونية. ومن المعلوم أن أمريكا هي أولى دول العالم في إنتاج المواد الإباحيَّة.

* مواقع مرفوضة:
تمثل الشابكة (الإنترنت) في الوقت الحاضر أكثر الطرق نجاحاً في نشر الإباحية إذ إن صفحات النسيج العالمي المتعلقة بها تمثل بلا منافس أشد الصفحات إقبالاً في العالم.
وتغص الشابكة بآلاف المواقع الإباحية، وتشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن ثلاثين موقعاً جديداً - في المتوسط - يُنشأ يومياً على الشابكة..لا هدف لأصحابها سوى تقديم العروض المبتذلة، واصطياد الصبية والشباب، لابتزاز أموالهم، وتدميرهم أخلاقياً.
وهناك شركة وتحالف وثيق بين مروِّجي الإباحية، ومصممي برامج القرصنة واللصوصية، فهذا يروج لذاك، وذاك يدعو إلى هذا.. والنتيجة خراب للقيم ودمار للأخلاق.. في ظلِّ حرية مزيفة، بهرجتها الصِّهيَونيَّة، وفرضتها من خلال قوى الضغط (العاصرة) للسياسات ومتخذي القرارات. وهذا جاك لايت يؤكد أن "الشباب الأمريكي غارق في الرذائل حتى أذنيه.. والتكنولوجيا أفسدته، وجعلت منه شاباً مخنثاً.. وعبداً للشذوذ..".
وتُقدَّر عدد الصفحات الإباحيَّة في الشابكة بنحو 5 % من مجموع الصفحات الكلية فيها، وهذا النسبة تُعد قليلةً، لكنها لا تقدم الصورة الحقيقية لحجم المشكلة، إذ يزداد إقبال رواد (الإنترنت) على هذه المواقع، فشركة playboy الإباحية مثلاً تقول: إن 4-7 ملايين زائر يتصفحون موقعهم في الأسبوع الواحد.

* زيادة الإقبال:
وتفيد الإحصاءات بأن 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات المواقع الإباحية لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه، وأن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تراوح أعمارهم بين 12و 17 سنة، والصفحات الإباحية تمثل بلا منافس أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثاً وطلباً.
ولذلك صرحت وزارة العدل الأمريكية قائلة : لم يسبق في أي مدة من تاريخ وسائل الإعلام بأمريكا أن تفشى مثل هذا العدد الهائل من المواد الإباحية أمام الكثرة من الأطفال والشباب. وتفيد إحصاءات الوزارة بأن تفشي هذه الوسائل من الأسباب المباشرة في تفشي أنواع أخرى من الجرائم والمآسي الاجتماعية كالقتل والسرقة والاغتصاب والشذوذ.
ففي دراسة أمريكية حديثة تأكد أن الشراء والبيع عبر الشابكة (الإنترنت)، ونشر المواد الجنسية، والمقامرة وبرامج الأحاديث.. أصبحت مثل المخدرات بالنسبة لفئات من الناس يشعرون بالوحدة والحساسية المفرطة بحيث يلجؤون إليها بحثاً عن الاستمتاع والإثارة دون الإحساس بالذنب..
وبهذا أصبحت ظاهرة (الإنترنت) تهدد حياة بعض الأسر بالمشكلات العائلية والانفصالات الزوجية؛ بسبب انصراف الأزواج عن حياتهم الزوجية ومسؤولياتهم العائلية ليغرقوا أمام شاشات الشابكة.

* أطفال الشابكة (الإنترنت):
لا يتوقف الأمر على الشباب اليافعين فقط، بل إن شاشة الشابكة المبهرة تجذب ملايين الأطفال على مستوى العالم ، الذين يتجوَّلون في المواقع المختلفة دون إدراك واعٍ لما يقدم لهم فيها، وأثره في ثقافة الطفل وقيمه وأخلاقه، خاصة في عالمنا العربي والإسلامي الذي شهد ازدياداً كبيراً في استخدام الشابكة في السنوات الأخيرة.
والأثر السلبي على الأطفال لا يمكن تجاهله، فالأرقام تؤكد أن 58 % من مستخدمي الشابكة من الطلبة الأمريكان انخفض مستواهم الدراسي، و86 % من المدرِّسين يرون أن تعلق الأطفال بالشابكة لا يفيدهم دراسيًّا.
وحذَّر بحث أجري في بريطانيا أيضاً من أن الجيل الأصغر من البريطانيين ليس لديه معرفة بمفردات الشابكة مع أنهم يستخدمونها بكثافة، وقال البحث: إنه بالرغم من أن العديد من أطفال بريطانيا يتمتعون بإمكانية استخدام (الإنترنت)، فإنهم يفتقدون فهم أيسر وأهم المصطلحات المطلوبة لاستخدامها.
ويكشف البحث عن أن 85 % من الأطفال البريطانيين الذين تراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة لديهم حواسيب منزلية، وأن 62 % من هذه الحواسيب متصلة بالشابكة.
 ومن النتائج التي أظهرها البحث أن السبب الرئيس الذي يدفع الصغار إلى استخدام الشابكة هو التعلُّم حيث يتصل 48 % منهم من أجل الحصول على المعلومات والحقائق، في حين يكون هدف 26 % منهم هو مطالعة بريدهم الإلكتروني.

* ضوابط لابد منها:
إن مسؤولية وقاية الجيل المسلم من هذا الوافد الجديد تقع بالدرجة الأولى على عاتق الوالدين، إذ عليهما تحصين أبنائهم بالتربية والدين والأخلاق من كلِّ ما هو إباحي وفاسد على الشابكة، وتوفير الوسائل التي من شأنها ضبط مغامرات الشباب في عالم الشابكة والحاسوب مثلما يفعلان تماماً في مجالات الحياة عامة، كما تقع المسؤولية على عاتق مؤسسات التربية والتنشئة المختلفة والمؤسسات الدينية التي يجب أن تقوم بدورها في توعية الشباب وتحصينهم من الاستخدامات السيئة للشابكة، وتوجيههم إلى المواقع المفيدة والبنَّاءة، سواء كانت مواقع إسلامية أو ثقافية أو اجتماعية أو أدبية أو تاريخية.
وهناك برامج حاسوب يمكنها حجب معظم المواقع غير المرغوب فيها بالنسبة للأطفال، وهناك أيضا تقنية أخرى لمنع التجول الخطر للأطفال في مواقع الإنترنت المختلفة، وذلك عن طريق استخدام برامج الرقابة، ومن المقترحات التي يفضل اتخاذها في حالة استخدام الأطفال الخاطئ للشابكة فصل الكهرباء وإغلاق الجهاز.
وبات من المعروف أن الدول التي تفرض قوانين صارمة على نشر المواد الإباحية تنخفض فيها نسبة الجرائم، وبرامج الحجب والمنع ممكنة، وقد جُرِّبت في بعض المدارس الأمريكية وحققت نسبة نجاح تصل إلى أكثر من 99 %، مما يستدعي تضافر الجهود وتطوير التقنيات لحماية الجيل الصاعد من الخطر الإباحي الهادم عبر الشابكة.

* المراجع:
1 - إدمان الحاسب يؤدي لعاهات دائمة عند الأطفال - جريدة البيان - الثلاثاء 2 رمضان 1421 هـ - 28 نوفمبر 2000م. 
2 - روشتة سريعة لوقاية الأطفال من مخاطر الإنترنت - مجلة صحتك - العدد 12 - يناير 2000م.
3 - حوار حول الإباحية في الإنترنت - سلطان الخثلان - مجلة الجندي المسلم - العدد 102 - ذو الحجة 1421هـ - مارس2001م. 
4 - الثورة الإباحية - مجلة الفرقان - العدد 126 السنة الثانية عشرة - رجب 1412 هـ أكتوبر 2000م. 
5 - هجمة صهيونية عبر الإنترنت - حسني عبد المعز عبد الحافظ - الجندي المسلم - العدد 99 - ربيع الأول 1421هـ.
6 - موقع بي بي سي اون لاين - 27 سبتمبر 2000م.
7 - الإنترنت إدمان القرن الجديد - مجلة الجيل - العدد 319 - 22 فبراير 2000م.
8 - مرض العصر..إدمان الإنترنت - د. نادية العوضي - الإسلام على الإنترنت - 10 يونية 2000م.
شباب (الإنترنت).. مخاطر ومحاذير

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments



Top