أدخل كلمة للبحث

  • تسجيل الدخول
  • الفهرس
  • القرآن الكريم
  • أمثلة و حكم
  • اتصل
  • الإثنين 14, أبريل 2025








بلاغ عام

حصريا بالموقع

    • اسماء الله الحسنى: مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة

      اسماء الله الحسنى: مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.توطئة: أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس أسماء الله الحسنى، وفي هذا الدرس نتحدث بشكل عام عن مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة إلى الله. 1 – القوة الإدراكية في الإنسان: بادئ ذي بدء، لقد أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وميّزه بهذه القوة عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية تستلزم طلب الحقيقة، فقد خلق فيه حاجة عليا للمعرفة، وما لم تلبَّ هذه الحاجة العليا، وما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة، وما لم يبحث عن سر وجوده، وعن غاية وجوده، وعن أفضل شيء يمكن أن يفعله في وجوده فقد هبط عن مستوى إنسانيته، هناك حاجات سفلى، وحاجات دنيا، وهناك حاجات عليا مقدسة. فالله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان هذه القوة كي تلبَّى، لذلك الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة، والذي يتعرف إلى سر وجوده، وإلى غاية وجوده هو إنسان لعله اقترب من أن يؤكد ذاته، ويحقق وجوده في الأرض. 2 – أصلُ الدين معرفةُ الله: النقطة الدقيقة أن أصل الدين معرفة الله، وفضلً معرفة الله على معرفة خَلقه كفضل الله على خلقه، وكم هي المسافة كبيرة جداً بين أن تعرف شيئاً من مخلوقات الله وأن تعرف خالق السماوات والأرض، المسافة كبيرة جداً، فعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))[رواه الدارمي في سننه] والآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه، فلذلك ما من معرفة تعلو على أن نعرف الله عز وجل: (( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء))[ورد في الأثر] أيها الإخوة الكرام، لو أن طفلاً صغيراً قال: معي مبلغ عظيم، كم نقدر هذا المبلغ ؟ نقدره مئتي ليرة مثلاً، أما إذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى: أعددنا مبلغاً عظيماً للحرب، فإنك تقدره مئتي مليار، الكلمة نفسها قالها طفل فقدرناها برقم، وقالها إنسان آخر فقدرناها برقم، فإذا قال خالق السماوات والأرض: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾( سورة النساء ) 3 – لا شيء يعلو على مرتبة العلم: لذلك لا شيء يعلو على مرتبة العلم، وإذا أدرت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل. بالمناسبة، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاًَ. 4 – معرفةُ الآمرِ قبل معرفة الأمر: أيها الإخوة الكرام، هناك نقطة دقيقة جداً ؛ يمكن أن تتعرف إلى الله، ويمكن أن تضعف معرفتك بالله، وتتعرف إلى أمره ونهيه، لكن الحقيقة الصارخة أنك إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، بينما إذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر. كأنني وضعت يدي على مشكلة العالم الإسلامي الأولى، الصحابة الكرام قلة، وقد وصلت راياتهم إلى أطراف الدنيا، لأنهم عرفوا الله، وحينما اكتفينا بمعرفة أمره، ولم نصل إلى معرفته المعرفة التي تحملنا على طاعته كما ترون حال العالم الإسلامي فإننا لسنا ممكَّنين، والله عز وجل يقول: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي (55) ﴾( سورة النور) نحن كما في الآية الكريمة، وهذا هو الواقع المرّ، نحن لسنا مستخلَفين، ولسنا ممكَّنين، ولسنا آمنين، والكرة في ملعبنا، لأنه: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) ﴾( سورة مريم) إذاً: الفرق واضح بين الرعيل الأول من الصحابة الكرام الذين عرفوا الله، وطبقوا منهجه، فاستحقوا وعود الله عز وجل، وكما تعلمون جميعاً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين. على كلٍّ ؛ قضية العلم واسعة جداً، قال بعض العلماء: هناك علم بخلقه، يعني عندنا واقع، والعلم وصف ما هو كائن، هناك ظواهر فلكية، علم الفلك، ظواهر فيزيائية، علم الفيزياء ظواهر كيميائية، علم الكيمياء، ظواهر نفسية علم نفس، ظواهر اجتماعية علم الاجتماع، فالعلم مختص بما هو كائن، وهو علاقة مقطوع بها بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل، هذا هو العلم. 5 – العلم بخَلقه أصلُ صلاح الدنيا، والعلمُ بأمْره أصل صلاح الآخرة: لكن هناك شيء آخر، هناك علم بأمره، العلم بخَلقه من اختصاص الجامعات في العالم، أية جامعة تذهب إليها فيها كليات العلوم، والطب، والهندسة، والصيدلة، وما إلى ذلك، هذا علم بخلقه، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، والمسلمون مفروض عليهم فرضاً كفائياً أن يتعلموا هذه العلوم كي يكونوا أقوياء، لذلك العلم بخلق الله أصل في صلاح الدنيا، أما العلم بأمره فأصل في العبادة، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( سورة الذاريات )العبادة:1 – تعريف العبادة:س والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.2 – الكليات الثلاث في العبادة: هذا التعريف فيه كليات ثلاث، فيه كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية:الكلية السلوكية هي الأصل، وما لم يستقم المسلم على أمر الله فلن يستطيع أن يقطف من الدين شيئاً، هذه الكلية السلوكية. المؤمن ملتزم، المؤمن مقيَّد بمنهج الله عز وجل، المؤمن في حياته منظومة قيم، عنده فرض، عنده واجب، عنده سنة مؤكدة، سنة غير مؤكدة، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام، العلم بأمره أصل في قبول العبادة.3 – العبادات شعائرية وتعاملية: بالمناسبة العبادة واسعة جداً، هناك عبادة شعائرية، وهناك عبادة تعاملية، العبادات الشعائرية منها الصلاة والصوم لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال بعض العلماء: " ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة:(( والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا ))[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند ضعيف]العلمُ بأمر الله ونهيه فرض عين: هناك علم بخلق الله، والمسلمون مدعوون إلى طلب هذا العلم، بل هو عليهم فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، وهو أصل في صلاح الدنيا، بينما العلم بأمره أن تعرف الحلال والحرام، أن تعرف أحكام التعامل التجاري، أحكام التعامل اليومي، هذه كلها من أحكام الفقه، ولا بد من أن يتعرف الإنسان إليها، لتأتي حركته في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل. إنك بالاستقامة تسلم، لأنك تطبق تعليمات الصانع، وما من جهة في الأرض أجدر من أن تتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة، لأنها الجهة الخبيرة وحدها: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾( سورة فاطر الآية: 19 ) العلم بأمره فرض عين على كل مسلم، العلم بخَلقه فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، بينما العلم بأمره فرض عيني على كل مسلم، كيف تعبد الله ؟ من أجل أن تعبده لا بد من أن تعرف أمره ونهيه، فالعلم بخلقه من أجل صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، وعلم بأمره من أجل قبول العبادة.العلمُ بأمر الله يحتاج إلى دراسة، والعلم بالله يحتاج على مجاهدة: لكن بقي العلم به، العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة، إلى مدرس، إلى كتاب، إلى وقت، إلى مطالعة، إلى مذاكرة، إلى مراجعة، إلى أداء امتحان، إلى نيل شهادة، ولكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة. أنت حينما تلتزم، وحينما تأتي حركتك في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل عندئذ يتفضل الله علينا جميعاً فيمنحنا وميضاً من معرفته جل جلاله، فلذلك العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، وعلم بأمره يحتاج إلى مدارسة أيضاً والعلم بخلقه وبأمره أصل في صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، والثاني أصل في قبول العبادة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، فبقدر ما تضبط جوارحك، بقدر ما تضبط حركاتك وسكناتك، بقدر ما تضبط تطلعاتك وبيتك وعملك، بقدر ما يتفضل الله عليك بأن يمنحك شيئاً من معرفته.طرق معرفة الله تعالى: الحقيقة نحن أمام طرق ثلاثة سالكة:الطريق الأولى: النظرُ في الآيات الكونية: أول بند آياته الكونية، قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) لذلك من أجل أن نعرف الله عز وجل لا بد من أن نتفكر في مخلوقاته، والآية واضحة جداً، وفيها إشارة دقيقة إلى أن المؤمن يتفكر في خلق السماوات والأرض تفكراً مستمراً، والفعل المضارع ( يتفكرون ) يدل على الاستمرار، فمن أجل أن أعرف الله ينبغي أن أتفكر في مخلوقاته. هذا الكون أيها الإخوة الكرام ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقد قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي. أول شيء، هناك آيات كونية تحتاج إلى تفكر، الآيات الكونية نتفكر بها، وهذا طريق آمن، لأن كل ما في الكون يعد مظهراً لأسماء الله الحسنى، وهذا موضوع الدرس الأول. ترى في الكون رحمة، إذاً: الله رحيم، ترى في الكون حكمة، إذاً: الله حكيم، ترى في الكون قوة، الله قوي، ترى في الكون غنى الله غني، فكأن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا طريق إلى معرفة الله. بالمناسبة في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون. أيها الإخوة الكرام، بربكم إن قرأت آية فيها أمر، تقتضي هذه الآية أن تأتمر، وإن قرأت آية فيها نهي، تقتضي هذه الآية أن تنتهي، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل الجنة تقتضي هذه الآية أن تسعى لدخول الجنة، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل النار تقتضي هذه الآية أن تتقي النار، ولو بشق تمرة، وإن قرأت قصة أقوام سابقين دمرهم الله عز وجل تقتضي هذه الآية أن نتعظ، وأن نبتعد عن كل عمل يفعله هؤلاء. الآن السؤال: وإذا قرأت آية فيها إشارة إلى الكون، إلى خلق الإنسان، ماذا تقتضي هذه الآية ؟ تقتضي هذه الآية أن تفكر في خلق السماوات والأرض. أيها الإخوة الكرام، ألف وثلاث مئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون، وخلق الإنسان، والآية مرة ثانية أرددها على مسامعكم: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) هذا طريق سالك إلى الله، وهو التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو طريق سالك وآمن ومثمر.الطريق الثانية: النظرُ في أفعالِ الله تعالى: هناك طريق آخر، قال تعالى:﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) ﴾( سورة النحل ) الآن الطريق الثاني في معرفة الله: أن تنظر في أفعاله، الله عز وجل فعّال لما يريد، وأفعاله متعلقة بالحكمة المطلقة، وقد قال بعض العلماء: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وأراده الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق. بالمناسبة، هناك آيات كونية هي خَلقه، وهناك آيات تكوينية هي أفعالُه، وهناك آيات قرآنية كلامُه، إذاً: طريق معرفة الله التفكر في آياته الكونية خلقه، والنظر في آياته التكوينية أفعاله، ثم تدبر آياته القرآنية. ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لـــما وليت عنا لغيرناو لــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتناولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحـبناولو نسمت من قربنا لك نسمـــة لمت غريباً و اشتياقاً لقربنـــا***آية فيها سلامة الإنسان: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ أيها الإخوة الكرام: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾( سورة الرعد الآية: 28 ) في القلب فراغ لا يملأه المال، ولا تملأه المتع، ولا تملأه القوة، نحن بحاجة إلى الإيمان، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾( سورة طه ) الإنسان مجبول على حب وجوده، وعلى جب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، سلامة وجوده أساسها تطبيق منهج الله، وكمال وجوده أسها القرب من الله عز وجل، واستمرار وجوده أساها تربية الأولاد كي يكون هذا الابن استمراراً لأبيه.أربع مساحات في الإسلام:1 ـ مساحة العقيدة:العقيدة أخطر المساحات الأربع: أيها الإخوة الكرام، إذا: يمكن أن نرمز إلى الإسلام بمثلث فيه أربع مساحات، المساحة الأولى: مساحة العقيدة، وأخطر شيء في الإسلام العقيدة، لأنها إذا صحت صح العمل، وإذا فسدت فسد العمل. بالمناسبة، الإسلام يقدم للإنسان تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة للكون والحياة والإنسان، لمجرد أن تقرأ القرآن الكريم فأنت أمام منظومة تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة، تعرف سر الحياة الدنيا، لماذا أنت في الدنيا ؟ ما حكمة المرض ؟ ما حكمة المصائب ؟ لماذا هناك موت ؟ وماذا بعد الموت ؟ ماذا قبل الموت ؟ من أين جئت ؟ وإلى أين أنا ذاهب ؟ ولماذا عندك أمن عقائدي ؟ لذلك إذا شرد الإنسان عن الله، وتوهم أفكاراً معينة، وآمن بها قد يفاجأ مفاجأة صاعقة، أن هذه الأفكار غير صحيحة، أما حينما يؤمن بالله، ويؤمن بمنهجه، والمنهج يقدم له تفسيراً عميقاً دقيقاً متناسقاً لحقيقة الكون، ولحقيقة الحياة الدنيا، ولحقيقة الإنسان عندها يفلح. فلذلك في هذا المثلث المساحة الأولى مساحة العقائد، لذلك الخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، أفضل ألف مرة أن تقع في خطأ في مفردات المنهج من أن تقع في خطأ في أصل التصور، فالميزان غير منضبط لو استخدمته مليون مرة فالوزن غير صحيح، أما إذا كان منضبطاً، وأنت أخطأت بقراءة الرقم فهذه مرة واحدة، فالخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر. لذلك أفضل ألف مرة أن نخطئ في الوزن من أن نخطئ في الميزان، فالمساحة الأولى في المثلث هي مساحة العقيدة، فإن صحت صحّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، وما من انحراف في السلوك إلا بسبب انحراف في العقيدة، ولو أن العقيدة لا يتأثر بها السلوك فاعتقد ما شئت، ولكن ما من خطأ في العقيدة إلا وينعكس خطأ في السلوك. للتقريب: أحياناً يخطئ الطيار في تحديد الهدف في الجو بميليمتر واحد، هذا الميليمتر في الجو ينقلب في الأرض إلى كيلو متر، فالخطأ في العقيدة له آثار سيئة جداً، لذلك يجب أن تصح عقائدنا، والإنسان بحاجة إلى أن يراجع ما يعتقد، أحياناً يعتقد شيئا غير صحيح، خرافة أحياناً، شيئا شاع بين الناس، فلابد من بحث في العقيدة، والشيء الدقيق أن الله لو قبِل من إنسان عقيدة تقليداً لكان كل الضالين في الأرض مقبولين عند الله، لكن لأن الله عز وجل يقول:﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾( سورة محمد ) لا تقبل العقيدة من المؤمن إلا تحقيقاً، قضية التقليد مرفوضة، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾( سورة محمد )2 ـ مساحة العبادة:الأصل في العبادات المنعُ والحَظْرُ: المساحة الثانية في المثلث مساحة العبادات، والأصل في العبادات الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، لأن العبادات قربات إلى الله، والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( سورة الذاريات ) والعبادة علة وجودنا، بل هي سر وجودنا، لكن لهذه العبادة مفهومات دقيقة جداً، ولها مفهومات واسعة. العبادة تدور مع الإنسان حيثما دار في كل أوقاته، وفي كل أحواله، وفي كل شؤونه فلذلك، المساحة الثانية العبادات.لا تصح العبادات الشعائرية إلا إذا صحت العبادات التعاملية: أخطر ما في الموضوع أن العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))[ مسلم عن أبي هريرة ] هذه الصلاة. الصوم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ] الحج:(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))[ ورد في الأثر ] الزكاة، قال تعالى: ﴿ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ {53} ﴾( سورة التوبة الآية: 53 ) شهادة أن لا إله لا الله:(( من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ] فالعبادات الشعائرية كالصلاة والصوم لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، فلذلك المساحة الأولى مساحة العقائد، والمساحة الثانية مساحة العبادات.3 ـ مساحة المعاملات: والمساحة الثالثة مساحة المعاملات، سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما لما سأله النجاشي عن الإسلام ماذا قال ؟ قال: (( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ))[ أحمد عن أم سلة ] إذاً: الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:(( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ))[ متفق عليه عن ابن عمر ] الإسلام بناء أخلاقي، والعبادات الخمس أركان الإسلام، لذلك قالوا: الإيمان هو الخَلق، ومن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان. أول مساحة العقائد، الثانية العبادات، الثالثة المعاملات: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام. والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا.4 ـ مساحة الأخلاق: المساحة الأخيرة مساحة الأخلاق:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ما لم تكن متمسكاً بمكارم الأخلاق، ما لم يكن منصفاً، ما لم يكن متواضعاً، ما لم يكن رحيماً فكأنك لن تقطف ثمار هذا الدين.خاتمة: أيها الإخوة الكرام، هذا تقديم وتمهيد لموضوع أسماء الله الحسنى، يقول الله عز وجل:﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) ﴾( سورة طه ) ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾( سورة الأعراف ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))[ متفق عليه ] وهاتان الآيتان وهذا الحديث نشرحهما إن شاء الله في درس قادم.والحمد لله رب العالمين

    • الصَّلاة

    • المصائب

بالصوت و الصورة

الأحد، 25 ديسمبر 2016
chalhaoui

مشاركة الشباب في قضايا المجتمع



مشاركة الشباب في قضايا المجتمع

 ودورها في الوقاية من المخدرات



https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiZCUT7_7nN9G9j2hDfn6tQbX79gssB1a6q_i2K4kOlVadoQzwvKv9AO60BlnQ-pFXZ03GugrYN7KOSESUM9OuJbo1zkRgkSnYaeO5mMoo_JDVTnuqu3TK4d2vrO5iSpP_tKE5d2j2IQqpn/s1600/ تُعتبر مشاركة الشباب في قضايا المجتمع من أهمِّ الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي، وتكتسب المشاركة المجتمعية أهميَّةً متزايدة يومًا بعد يوم؛ فهناك قاعدة مُسلَّم بها، مُفادها أنَّ الحكومات - سواء في البلدان المتقدِّمة أو النامية - لَم تَعُد قادرة على سَدِّ احتياجات أفرادها ومجتمعاتها؛ فمع تعقُّد الظروف الحياتيَّة، ازدَادت الاحتياجات الاجتماعية، وأصبَحت في تغيُّر مستمرٍّ؛ ولذلك كان لا بدَّ من وجود جهة أخرى موازية للجهات الحكومية، تقوم بملء المجال العام، وتُكمل الدور الذي تقوم به الجهات الحكوميَّة في تلبية الاحتياجات الاجتماعية، ويُطلق على هذه الجهة: "المُنظمات الأهليَّة".
وفي أحيان كثيرة يُعتبر دور المنظمات الأهلية دورًا سبَّاقًا في معالجة بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وليس تكميليًّا، وأصبَح يضع خُططًا وبرامجَ تنمويَّة، تَحتذي بها الحكومات.
لقد شَهِد العمل الاجتماعي عِدَّة تغيُّرات وتطوُّرات في مفهومه ووسائله ومُرتكزاته؛ وذلك بفِعْل التغيُّرات التي تحدث في الاحتياجات الاجتماعية، وما يهمُّنا هنا التطورات التي حدَثت في غايات وأهداف العمل الاجتماعي، فبعد أن كان الهدف الأساسي هو تقديم الرعاية والخدمة للمجتمع وفئاته، أصبَح الهدف الآن تغيير وتنمية المجتمع، وبالطبع يتوقَّف نجاح تحقيق الهدف على صِدْق وجديَّة العمل الاجتماعي، وعلى رغبة المجتمع في إحداث التغيير والتنمية، ومن الملاحظ أنَّ العمل الاجتماعي باتَ أحدَ الركائز الأساسية لتحقيق التقدُّم الاجتماعي والتنمية، ومعيارًا لقياس مستوى الرُّقي الاجتماعي للأفراد.
ويعتمد العمل الاجتماعي على عِدَّة عواملَ لنجاحه، ومن أهمها المورد البشري، فكلما كان المورد البشري متحمِّسًا للقضايا الاجتماعية، ومدركًا لأبعاد العمل الاجتماعي، أتَى العمل الاجتماعي بنتائج إيجابيَّة وحقيقيَّة، كما أنَّ العمل الاجتماعي يمثِّل فضاءً رحبًا ليمارس أفراد المجتمع ولاءَهم وانتماءَهم لمجتمعاتهم، كما يمثِّل العمل الاجتماعي مجالاً مهمًّا لصَقْل مهارات الأفراد وبناء قدراتهم.
وانطلاقًا من العلاقة التي تربط بين العمل الاجتماعي والمورد البشري، فإنه يمكن القول بأن عماد المورد البشري الممارس للعمل الاجتماعي هم الشباب، خصوصًا في المجتمعات الفَتِيَّة، فحماس الشباب وانتماؤهم لمجتمعهم كفيلان بدَعْم ومساندة العمل الاجتماعي، والرُّقي بمستواه ومضمونه، فضلاً عن أنَّ العمل الاجتماعي سيُراكم خِبرات وقدرات ومهارات الشباب، والتي سيكونون في أمسِّ الحاجة لها، خصوصًا في مرحلة تكوينهم، ومرحلة ممارستهم لحياتهم العمليَّة.
ورغم ما يتَّسم به العمل الاجتماعي من أهميَّة بالغة في تنمية المجتمعات، وتنمية قُدرات الأفراد، إلاَّ أنَّنا نجد نسبة ضئيلة جدًّا من الأفراد الذين يُمارسون العمل الاجتماعي، فهناك عزوف من قِبَل أفراد المجتمع - وخصوصًا الشباب - عن المشاركة في العمل الاجتماعي، بالرغم من أن الشباب يتمتَّع بمستوًى عالٍ من الثقافة والفكر والانتماء، وبالرغم من وجود القوانين والمؤسَّسات والبرامج والجوائز، التي تُشَجِّع الشباب على المشاركة بشكلٍ فاعل في تنمية مجتمعهم، وسنوضِّح تباعًا أسبابَ عزوف الشباب عن المشاركة المجتمعيَّة.
مفهوم مشاركة الشباب في قضايا المجتمع:
يُمكن تعريف مشاركة الشباب في قضايا المجتمع بأنها: اشتراك الشباب بفعالية وتأثير في قضايا المجتمع السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية؛ بهدف تحقيق الصالح العام، وتشمل المشاركة الفاعلة للشباب الاعترافَ بمكامن القوَّة لَدَيهم، واهتماماتهم وقُدراتهم، والعمل على استثمارها في تحقيق الصالح العام.
صور المشاركة:
1- في الحياة السياسية:
أ- عضوية حزب سياسي: يَشترك بعض الشباب في الأحزاب السياسية؛ لتزويد الوعي السياسي لَدَيهم، وليمارسوا نشاطَهم السياسي من خلاله؛ حيث يلتقون فيه بِمَن يُشبههم في الآراء السياسيَّة، فيتَّحدون لإعلان رأيهم باسم الحزب السياسي، ويرشحون ممثلاً للحزب في الانتخابات البرلمانية، ويُقَدِّمون الاقتراحات والشكاوى باسم الحزب.
ب- التصويت في الانتخابات: يجب على الشباب التصويت في الانتخابات، وعدم السلبيَّة بعدم التصويت.
ج- الاهتمام بمشاكل الناس، وعَرْض الشكاوى والمُقترحات على الحكومة.
2- الشباب والمجتمع المدني:
أ- العضوية بإحدى الجمعيَّات الأهليَّة: يشترك بعضُ الشباب في الجمعيَّات الأهلية؛ بهدف عمل الخير والتطوُّع من أجْل المساعدة في جميع أعمال الخير، ومن أعمال الخير التي تقوم بها الجمعيات الأهلية: تجميع التبرُّعات وتوزيعها على المحتاجين، وإعطاء دروس علميَّة ودورات دراسية للطلاب غير القادرين.
ب- عضوية مراكز الشباب: ينبغي للشباب أن يشتركوا في مراكز الشباب؛ لممارسة الأنشطة الرياضية والعلمية، والثقافية والسياسية، والاشتراك في المسابقات المختلفة.
أهمية المشاركة الشبابية في تطوير المجتمع:
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: "الشباب في أيِّ أُمَّة من الأُمم هم العمود الفقري الذي يشكِّل عنصر الحركة والحيويَّة؛ إذ لَدَيهم الطاقة المنتجة، والعطاء المتجدِّد، ولَم تَنهض أمَّة من الأمم غالبًا إلاَّ على أكتاف شبابها الواعي وحماسته المتجددة".
فالشباب هم الذين يتمتَّعون بالحيوية والأفكار الجديدة المتطوِّرة البنَّاءة، وهم الذين يَملكون النشاط والحيوية، وهم الذين يتمتَّعون بالتأثير والتواصُل مع جميع فئات المجتمع.
وتَنطلق أهميَّة المشاركة الشبابيَّة في تطوير المجتمع بالنسبة للحالة المصريَّة من حقيقتين أساسيتين:
الحقيقة الأولى: تُعبر عنها نسبة الشباب من إجمالي عدد السكان؛ إذ تُشير التقديرات الدولية المختلفة إلى أنَّ نسبة الشباب تقارب الـ50 % من إجمالي عدد السكان، وهو ما يؤكِّد أنَّ المجتمع المصري تتوافر لَدَيه أحد أهم وأبرز عناصر التنمية، ولكن تبدو الصورة الواقعيَّة وما تؤكِّده العديد من مظاهر وحدود المشاركة الاجتماعية لهذه الفئة، أنها لا تتوافَق مع الوزن النسبي لها؛ حيث ثَمَّة حالة من العزوف عن المشاركة بفاعلية في التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي رُبَّما تستمدُّ من ضَعْف المشاركة المجتمعيَّة للقاعدة الشعبية بشكل عام، والتي تَستند في العديد من جوانبها إلى الأُطر والأبعاد الثقافيَّة والاقتصاديَّة المضطربة.
أمَّا الحقيقة الثانية، فتَنطلق من موقع فئة الشباب ذاتها في معادلة التنمية والديمقراطية بشكلٍ عام، فعملية التنمية والتطوير - بمحاورها المختلفة: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية - تقوم على تطبيق مبادئ الحكم الجيِّد في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، والتي تَرتكز بدورها على مبدأ المساواة والمشاركة في عمليَّة صُنع القرار والسياسات العامة، وبالاتساق مع المبدأ الدولي الدافع نحو تمكين الفئات المهمَّشة - والذي أقرَّته وثيقة الألفيَّة للأُمم المتحدة في عام 2001 - من ناحية، وبالنظر إلى واقع المشاركة المجتمعيَّة للشباب العربي من ناحية أخرى، يتَّضح أنَّ ضمان مشاركة فئة الشباب من الجنسين، إنما يدفع بدوره نحو تفعيل سياسات التنمية المختلفة، بالإضافة إلى تحقيق شروط المواطنة التي تُعَدُّ ركيزة الديمقراطية والإدارة السليمة.
من بين إحدى أهم النتائج التي تَمَخَّض عنها التحوُّل الديمغرافي الذي يقع في عدد من الدول ذات الدخل الضعيف أو المتوسط، وجود عدد متنامٍ من أفراد الفئة العُمرية المنتجة، ولا سيَّما الفئات التي تتراوح أعمارها ما بين 15 و 24 سنة، ويستخدم ما يسمَّى بـ "الربح" الديمغرافي، أو "نافذة الفرص"، الذي يَنتج عن انخفاض معدَّلات الخصوبة والوفاة، باعتباره طاقةً كامنة بالنسبة للحكومات؛ من أجْل قَطْف ثمار التوفُّر على فئة متنامية من البالغين في سنِّ العمل، مقارنة مع السكان المعالين، ولتجسيد هذه الطاقة يتعيَّن على الدول أن تنتهزَ فرصة توفُّر هذا الربح الديمغرافي؛ لتقوم بالاستثمارات الاجتماعية والاقتصادية المناسبة؛ أملاً في تجاوز مُعضلة الفقر، وبلوغ مستويات مستدامة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعني أنه يتعيَّن القيام بالمزيد من الاستثمارات في التعليم، وتمكين الشباب من المهارات التي يَتطلبها عامل التنافُسية في سوق العمل، وإحداث فُرص العمل والاستثمار في المجال الصحي، بما في ذلك الصحة الإنجابيَّة الموجهة للشباب.
يقرُّ عدد من المعاهدات والمواثيق الدولية بأهميَّة مشاركة الشباب، فعلى سبيل المثال ركَّز المؤتمر الدولي للسكان والتنمية 5 سنوات على ضرورة إشراك الشباب في وضْع البرامج وتنفيذها، كوسيلة لزيادة نجاعة التدخُّلات ذات الصِّلة، كما أقرَّت اتفاقيَّة الأُمم المتحدة لحقوق الطفل حقَّ الشباب في المشاركة الكاملة داخل مجتمعاتهم.
يرتبط عدد كبير من الأهداف الإنمائية للألفيَّة ارتباطًا وثيقًا بصحة الشباب وتنميتهم؛ لذلك يمكن للاستثمارات الاجتماعية في تعليم الشباب وصحتهم وتشغيلهم أن تساعد الدول على بناء قاعدة اقتصادية مَتينة، ومن ثَمَّ يمكن لها أن تحدَّ من انتقال الفقر بين الأجيال، ويُمكن لهذه الاستثمارات - إذا نُفِّذت في الوقت المناسب، ورُوعِيَت فيها المساواة بين الجنسين - أن تُساعد الدول على بلوغ الأهداف الإنمائية الأخرى للألفيَّة، كتحقيق تعميم التعليم، ومُكافحة تنامي فيروس نَقْص المناعة البشريَّة في أوساط الشباب، كما تُعتبر قدرة الدول على دَمْج الشباب في بناء المستقبل أحدَ العوامل التي تقوم عليها قاعدة التنمية في العالم النامي، ومن التدابير التي تكتسب أهميَّة بالغة تشجيع قِيَم المواطنة الفاعلة، ودَعْم الشباب باعتبارهم قوةً دافعة للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
ويشكِّل استثناء الشباب من المشاركة الفاعلة وتهميشهم عائقًا أمام تحقيق التنمية، وبلوغِ الأهداف الإنمائية للألفيَّة؛ إذ لا يمكن مواجهة تحدِّيات التنمية ما لَم يتمَّ إشراك الشباب بشكلٍ فاعل.
يُمكن لإحداث بيئة مواتية لمشاركة الشباب في تنمية البيت والمدرسة والمجتمع أن يساعد هذه الفئة على ممارسة الحقوق والمسؤوليات المنوطة بالكبار والمواطنين، ومن جهة أخرى من شأن استثناء الشباب من المشاركة الفاعلة وتهميشهم أن يؤدي إلى نتائجَ خطيرة قد تُفضي بهم إلى تنامي الشعور بالإحباط والوَهن، وتقويض التماسُك الاجتماعي الذي يُمكن أن يؤدي بدوره إلى تفاقُم بعض المشكلات الاجتماعيَّة، كالفقر والجريمة، والعُنف والتطرُّف، ومن ثَمَّ يتعيَّن اتخاذ تدابير ملموسة؛ من أجْل تعزيز مواطنة الشباب الفاعلة، بما في ذلك رفْع مستوى الوعي وتشجيع المشاركة، وإقامة شبكات إقليميَّة، وتعزيز الأنشطة وأشكال التبادل.
دور المشاركة الشبابية في تطوير المجتمع:
نَشْر الوعي بالقضايا المهمة:
أظْهَرت بعض المنظَّمات الشبابية نجاحًا في نَشْر الوعي بشأْن قضايا الشباب في عِدَّة منتديات، مثل الفريق الاستشاري لشؤون الشباب التابع لصندوق الأمم المتحدة للسكان من الآليات الخلاَّقة، ويتكوَّن هذا الفريق من الممثِّلين الشباب للشبكات الشبابية، ويعمل على تشجيع دَمْج حقوق الشباب واحتياجاتهم في الحوار حول السياسات وأنشطة البرمجة على مستوى كلِّ بلدٍ، وفضلاً عن ذلك دَعْم صندوق الأمم المتحدة للسكان بشكلٍ كبيرٍ، ومسألة تطوير شبكات الشباب على الصعيدين: الإقليمي والدولي (الشركاء الشباب فيالعالم)، وتحالُف الشباب، وشبكة تثقيف الأقران، وتحالُف الشباب الإفريقي، والشبكة الإفريقية للشباب حول السكان والتنمية،... إلخ)، ناقش منهاج عمل المؤتمر العالمي حول المرأة، (بيجين زائد عشرة)، والمؤتمر الدولي حول السكان والتنمية، والدورة الاستثنائية للجمعية العامة المعنيَّة بفيروس نَقْص المناعة البشرية: الإيدز، مَسْح السكان والصحة (MDHs) على الصعيد الدولي، وعلى صعيد المؤتمرات الدوليَّة والإقليمية حول الإيدز، وشبكة تثقيف الأقران الشباب هي شبكة عالمية لمُثَقفي الشباب من الأقران، وهي كذلك "حركة اجتماعية للشباب الذينيتواصلون مع أقرانهم"، وتتواصل هذه الشبكة عبر الإنترنت؛ حيث يتبادَل أفرادها المعلومات والموارد والدروس المستخلصة، وتضم هذه الشبكة التي أطْلَقها صندوق الأمم المتحدة للسكان - والتي تتوسَّع باستمرار في عضويَّتها - شبابًا يشتغلون في المجالات الواسعة للصحة الإنجابية الخاصة بالمراهقين في وسط أوروبا وشرقها، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وشرقها، ويتمثَّل الهدف من هذه الشبكة في رَبْط وتنظيم وتطبيق معايير الأداء في مشاريع تثقيف الأقران، والتي تُطلقها مجموعة من المنظَّمات التي تعتمد بدورها على إستراتيجية رَبْط الأقران؛ من أجْل التواصل مع الشباب.
التأثير:
فلا يكفي أن يكون دور الشباب في المشاركة المجتمعية يقتصر على نَشْر الوعي فقط، وإنما يجب أن يشملَ الإقناع والتأثير في الناس؛ لأن الشباب يمتلكون مهارة حُسن التواصل مع جميع فئات المجتمع، وقد نَجَحت مؤسسة فودافون مصر لتنمية المجتمع في محو أُميَّة الكثير من الشعب المصري، كما نَجَحت حملة "حماية" التي أسَّسها الداعية الديني عمرو خالد في التوعية بمخاطر الإدمان، وإقناع الكثير من المدمنين بالعلاج.
التأثير على السلطات، وجَعْلها تستجيب لمطالب الجمهور، وهو ما اتَّضح جليًّا في ثورة 25 يناير 2011م.
المشاركة في تحديد احتياجات المجتمع المختلفة، وإعداد الخُطط اللازمة تبعًا لقُدراته.
المشاركة الفعلية في بناء أمْن المجتمع واستقراره، من خلال المؤسَّسات المختلفة.
إسهام الشباب في الخدمات الاجتماعية والتطوعيَّة.
المشاركة في البرامج التعليمية التربوية، مثل: مَحْو الأميَّة، ودورات التثقيف والتوعية... إلخ.
الإسهام في ترسيخ الحضارة والتراث الشعبي والوطني.
توصيل ونَقْل خِبرات وعلوم ومعارف وثقافات الشعوب الأخرى، وانتقاء الأفضل والصالح لخدمة المجتمع.
المشاركة في حماية أمْن وسيادة الوطن.
تأثير المشاركة في قضايا المجتمع في تطوير شخصيَّة الشباب:
تكوين صداقات ومجموعات من الأفراد لها نفس الاهتمامات.
الشعور بتقدير الذات والثقة بالنفس، وإدراك أهميَّة عملية التنمية.
يساعد الشباب على اكتساب مكانة اجتماعيَّة في المجتمع.
يساعد على استثمار وقت الفراغ.
يساعد على ترجمة الأفكار إلى واقع ملموس.
يساعد على زيادة الوعي بأحوال البلاد.
يزيد الوعي بالحقوق والواجبات.
تعزيز انتماء ومشاركة الشباب في مجتمعهم.
تنمية قدرات الشباب ومهاراتهم الشخصيَّة والعلميَّة والعمليَّة.
يُتيح للشباب التعرُّفَ على الثغرات التي تشوب نظام الخدمات في المجتمع.
يُتيح للشباب الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامة التي تهمُّ المجتمع.
يوفر للشباب فرصة تأْدِية الخدمات بأنفسهم، وحلِّ المشاكل بجُهدهم الشخصي.
يوفر للشباب فرصة المشاركة في تحديد الأولويَّات التي يحتاجها المجتمع، والمشاركة في اتِّخاذ القرارات.
أسباب عزوف الشباب عن المشاركة في قضايا المجتمع:
الظروف الاقتصادية السائدة، وضَعْف الموارد المالية للمُنظَّمات المجتمعيَّة.
بعض الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع، كالتقليل من شأن الشباب، والتمييز بين الرجل والمرأة.
ضَعْف الوعي بمفهوم وفوائد المشاركة في العمل الاجتماعي التطوعي.
قلة التعريف بالبرامج والنشاطات التطوعيَّة التي تُنفذها المؤسَّسات الحكومية والأهليَّة.
عدم السماح للشباب بالمشاركة في اتِّخاذ القرارات داخل هذه المنظَّمات.
قلة البرامج التدريبية الخاصة بتكوين جيل جديد من المتطوِّعين، أو صَقْل مهارات المتطوعين.
قلة تشجيع المشاركة المجتمعيَّة.
ظاهرة اللامبالاة والانطوائيَّة التي ظَهَرت عند معظم الشباب، لا بد من إلقاء الضوء على الظروف والعوامل التي ساعَدت على حدوث ظاهرة اللامبالاة والانطوائية، وأسْهَمت في بروزها؛ لأنها ليست وليدة مدة زمنيَّة مُحدودة، وإنما ترجع إلى أساليب التنشئة المعتمدة في المجتمع، بدءًا من الأسرة ونظام التعليم، ومؤسَّسات الإعلام والثقافة، وانتهاءً بنظرة الشباب إلى المستقبل وظروف العمل، والزواج وقِيَم المجتمع بشكلٍ عام.
أ - الأسرة:
تُفيد الدراسات ونتائج البحوث أن الأسرة العربية ما تزال تُنشئ أطفالها على أُسس من التسلُّط وعدم الاستقلالية، وعلى رُوح مُشبعة بالعجز والتهرُّب من مواجهة الواقع الذي يؤدي إلى اللامبالاة والانطوائية والتردُّد، وكل مظاهر السلبيَّة عند الشخص عندما يَكْبر، فيُصبح في سنِّ الشباب، ويبدأ تعامُله مع الواقع وسط حالة الترقُّب والتوقُّع التي يضعه فيها جيل الكبار، ومن أمثلة الواقع التي يؤدي إلى بُعد الأسرة العربية عن الرُّوح الديمقراطية، وخَلْق جوٍّ أُتوقراطي؛ مما يعطِّل تنمية القدرات المختلفة للفرد، ويَجعل السلطة في الأسرة تقوم على أساس فردي بعيدًا عن المشاركة والتعاون، ومن هذه الأمثلة: "التمييز بين الذكور والإناث، المكانة الخاصة للولد الأول، تربية البنت على طاعة أخيها الذَّكر والامتثال لأوامره".
وما تزال هناك قِيَمٌ وعادات وأساليب قديمة، تلعب دورًا لا بأْسَ به في الأسرة العربية، والتي لا تحضُّ على العمل والاستقلال، وإنما على العجز والتهرُّب والاتِّكال، ومثل هذا الجو يشكِّل المناخ لظاهرة اللامبالاة عند الشباب.
ب- المدرسة ونظام التعليم:
من خلال العملية التي تتم على أساس تعميق سلطة المعلم، والبُعد عن ممارسة الديمقراطية، ومعاني الحرية والمسؤولية بطريقة فعليَّة، وزَرْع قِيَم الانصياع والمسايرة، دون أن تؤكِّد رُوح الاستقلالية والمبادئ، وكذلك البرامج التعليميَّة ما تزال بعيدة عن الواقع ومُعطياته، الأمر الذي لا يُسهم في تعديل السلوك، وإنما يؤدي إلى الازدواج بين القول والعمل، بين ما نقوله لفظًا ونمارسه فعلاً، وربما في ذلك مضاعفة للشعور بالتناقُض، وخَلْق للصراع، فضلاً عن خُلو البرامج الدراسية من أيِّ تحليل أو مناقشة لقضايا ومشكلات الشباب، كالخُلو من مناقشة حقائق الجنس؛ مما يدفع الكثير من أبناء جيل الشباب إلى الجري وراء كُتب وأفلام الإثارة الجنسيَّة، وما تروِّجه وسائل الإعلام التافهة والرخيصة حول موضوع الجنس والمرأة؛ مما يجد الشباب نفسه في كثيرٍ من الأحيان، وقد تناقَضت أساليب تعليمه وإعداده مع القِيَم الصاعدة في المجتمع، مثل: تكافؤ الفرص، أو احترام العمل اليدوي، ولا سيَّما مما يترتَّب عليه كثير من المشكلات المتعلقة بالطموح وبالدافع إلى التقدير، وما إلى ذلك، وتكون النتيجة نموُّ مشاعر سلبية، كاليأس، أو الإحباط، أو الاستخفاف، أو اللامبالاة.
ج- مؤسسات الإعلام والثقافة:
تُعتبر مؤسسات الإعلام والثقافة من أهمِّ وسائط التطبيع الاجتماعي، ومن أهم العوامل في تكوين الرأي العام وترويج القِيَم والمعايير، كما أنها تُسهم في ترويج قِيَم الانصياع والمسايرة، ومع ذلك فما يزال يوجد العديد من برامج الإذاعة والتلفزيون التي تُعطي انطباعًا بأنَّ الشباب يَلهثون من أجْل قضايا شكليَّة وليستْ صحيحة، عِلمًا بأنَّ هذه البرامج هي من صُنع أجيالٍ كِبار، كما تهدف إلى تكريس قِيَم التمييز بين الذكور والإناث في الأسرة والمدرسة، وتكريس قِيَم الحظ والقدر، التي تتناقض مع قِيَم الجديَّة والعمل والمُثابرة؛ مما يترك الشباب فريسةَ اليأس والقنوط، وتُبعده عن النظرة العلميَّة والمنهج العلمي في مواجهة الواقع؛ مما يساعد على انتشار اللامبالاة ورُوح الاتِّكالية؛ لذا يجب علينا مناقشة مثل هذه القضايا عبر ندوات تلفزيونيَّة، وبحضور أصحاب الاختصاص، وبمشاركة الكبار والشباب؛ بُغية الوقوف على الحقيقة.
د- العمل وظروفه ونظرة الشباب إلى المستقبل:
الواقع العربي الحالي يُثبت أن جيلَ الشباب العربي يعاني من أزمة عدم توفُّر فرص العمل المناسِبة، بالرغم من الآلاف من ذَوِي المؤهلات الجامعية - خصوصًا الفروع النظرية - عاطلين عن العمل؛ مما يصل بالشباب إلى مرحلة الشعور بالإحباط والاعتماد على الأهل اقتصاديًّا، وما يُرافق ذلك من الاتِّكال والانصياع وعدم الاستغلال، والقضاء على رُوح الإبداع، وفُقدان الكثير من المعلومات والمهارات.
وإن توفر فرص العمل للبعض سيكون بالتوزيع على أعمال قد لا تَتناسب مع تخصُّصاتهم العمليَّة، ولا تُرضي طموحاتهم وتطلُّعاتهم، وبالتالي يَفقد الشباب تقديره لنفسه وثقته بها، واحترامه لكفاءَته، وتظهر إلى جانب مشاعر اليأس عنده، ظاهرةُ اللامبالاة واللامسؤولية، وعدم الجِديَّة.
إضافةً لما سبَق، قد يعتمد نظام الحوافز والجزاء على العوامل الشخصية علاقات خاصَّة، وقد يفضِّلون العمل الذهني على اليدوي، وكذلك المكتبي على المَيداني، والعمل في العاصمة على العمل في الريف، وأُلاحِظ في ذلك النظرة الدونيَّة إلى عمل المرأة واعتبارها غيرَ صالحة إلاَّ للأعمال الإدارية، كالتدريس، والتمريض، وأعمال السكرتارية، وكذلك ثَمَّة صعوبات ومشاكل أخرى في نطاق الزواج، من مشكلة المهور وارتفاعها، ومن تدخُّلات الأهل وشروطهم في الخِطبة والزواج، ولا سيَّما السَّكن الزوجي؛ مما يجعل الشباب محاصَرًا من جميع الجوانب؛ مما يَجعله يَعزِف عن الزواج، ويُفضِّل حياة العزوبيَّة وما يُرافقها من حالات الفوضى وعدم التخطيط.
قد تصل السلبيَّة عند الشباب قمَّتها عندما يَفقدون الأمل في إصلاح الخطأ، وبَسْط معدَّل التغيُّر السريع وعدم الإيمان بالجماعة، وكون اللامبالاة والانطوائيَّة وليدةَ جُملة عوامل وظروف التنشئة الاجتماعية، وما فيها من تناقُض للقِيَم وصراع بين القِيَم الجديدة والقِيَم القديمة، ولا سيَّما سرعة مُعَدَّلات التغيُّر الاجتماعي، والخوف من المستقبل، والشعور بعدم الاستقرار، ومع ذلك يُعتبر دورُ جيل الكبار المسؤول الأوَّل عن حلِّ مثل هذه المشاكل، من خلال مشاركة الشباب همومَهم وتفهُّمه لمشاكلهم، وسَعْيهم ليكونوا القدوة الجيدة للشباب في السلوك والعمل والمشاركة، وإلاَّ سيؤدي الامتناع عن إفساح المجال أمام الشباب إلى الصراع بين الجيلين، وسيَنجم عنه المزيد من إحساس الشباب باللامبالاة، والانسحاب عن المشاركة والفعل في المجتمع.
مُقترحات لحلِّ مشكلة السلبية وعزوف الشباب عن المشاركة في قضايا المجتمع:
إن خطورة الآثار والمُنعكسات السلبيَّة لظاهرة اللامبالاة والانطوائية على الفرد والمجتمع، تستوجب تضافُر الجهود، ولا سيَّما مشاركة المفكِّرين والباحثين في الميدان الاجتماعي والمثقفين والأُدباء؛ بغية القضاء على هذه الظاهرة، وفيما يلي بعض المقترحات والحلول:
1- إجراء دراسات مَيدانية لظاهرة اللامبالاة والانطوائية، على أن يشارك فيها المختصون في مجالات التربية وعِلم النفس وعلم الاجتماع؛ بُغية أن يصار إلى تحديد حجم هذه الظاهرة وغيرها من مشاكل الشباب، ومعرفة أبعادها وخَطرها على مسيرة المجتمع وتقدُّمه.
2 - العمل على وضْع توصيات الندوات الفكريَّة، ولا سيَّما الاجتماعات والمُؤتمرات، وترجمة هذه التوصيات إلى قرارات عمليَّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر كالتوصُّل إلى انتزاع قرار حكومي وتطبيقه في مجال المُهور، والقضاء على ارتفاع المهر وزيادته اللامعقولة.
3- الإسراع في معالجة ما يتعلَّق بالسلبيَّات الموجودة في نظام التعليم حاليًّا، والتي أشَرنا إلى بعضٍ منها في سياق هذه الدراسة.
4 - مناقشة بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وخصوصًا ما يتعلَّق منها بالجيل، والعمل على التخلص من سلبياتها، وتوجيهها الوجهة المطلوبة.
5 - التركيز على الأعمال الجماعية التي يَشترك فيها شباب؛ بغية إنجاز الأعمال التي تُثير اهتمام الشباب بمشكلات مجتمعهم، وتشجيعهم على القيام بدورهم نحوها، وبذلك يتمُّ مقاومة مظاهر اللامبالاة، ويُعَمَّق الشعور بالمسؤولية نحو المجتمع، والشعور بالانتماء الفعلي إليه.
6- الشراكة من أجْل دَعم مشاركة الشباب؛ حيث تتمثَّل الإستراتيجية الرئيسة - لتشجيع مشاركة الشباب في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية - في تعزيز أشكال الشراكة بين مختلف الشرائح والقطاعات، والتي تتماشى مع مبدأ اعتبار حياة الشباب بشكلٍ شمولي لا بشكل جزئي.
تتطلَّب أشكال الشراكة الموسَّعة إدماجَ المُنظمات الدولية غير الحكوميَّة وهيئاتها الوطنيَّة المعنيَّة بشؤون الشباب، والمنظمات العاملة في مجال الشباب، ووكالات الشباب الوطنية، ومجالس الشباب الوطنية، والتنظيمات الشبابيَّة التابعة للأحزاب السياسية والمجموعات الدينيَّة، ومجموعات الشباب داخل المجتمعات المحليَّة، ومجموعات التعبئة ونَشْر الوعي التي تُعنى بقضايا الشباب العامة أو الخاصة.
يمكن أن تشتغلَ شبكات الشباب وروابطها كآليات مَتينة لتعبئة الشباب بشأْن القضايا التي تواجههم، ويمكن للتحالف مع هذه الشبكات أن يمنحَ فرصة دَمْج رُؤى الشباب في مختلف الجوانب التي تتَّصل بالحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، ويعمل الاستثمار في بناء قدرات الشباب القياديَّة على تسهيل ارتباط الشبكات الشبابيَّة بالمُنظمات غير الحكومية، والجمعيات النسائية، والحكومات، ووكالات الأمم المتحدة، ووسائط الإعلام، والمجالس الوطنية الدينيَّة، وتنظيمات أخرى.
7- تكريم الشباب المشاركين في قضايا المجتمع، ووَضْع برنامج امتيازات وحوافز لهم.
8- تشجيع المشاركة المجتمعية في صفوف الشباب، مَهْمَا كان حَجْمه أو شَكْله أو نوعه.
9- تطوير القوانين والتشريعات المنظمة للمشاركة المجتمعيَّة، بما يكفل إيجاد فُرَصٍ حقيقية لمشاركة الشباب في اتِّخاذ القرارات المتصلة بالعمل الاجتماعي.
10- تشجيع الشباب؛ وذلك بإيجاد مشاريع خاصة بهم تَهدف إلى تنمية رُوح الانتماء والمبادرة لَدَيهم.
11- أن تُمارس المدرسة والجامعة والمؤسَّسة الدينية دورًا أكبرَ في حَثِّ الشباب على المشاركة المجتمعية، خصوصًا في العُطَل الصيفيَّة.
علاقة مشاركة الشباب بحمايتهم من المخاطر المختلفة ومنها المخدرات:
يُعَدُّ الإدمان على المُسكرات والمخدرات من أخطر الظواهر الاجتماعية في القرن الحالي؛ حيث يهدِّد انتشارها كِيان المجتمع، وتؤثِّر في تركيبه العقلي والنفسي، وعلى القِيَم الأخلاقية كأفراد ومجتمعات، ومما يزيد في خطورتها سهولة انتشارها وسرعة ترويجها بين الشباب، مع الإغراء المادي والرِّبح المالي الكبير للمُتاجرين فيها.
ولقد تنبَّه الجميع إلى خطورة الإدمان بين سائر فئات المجتمع، وبعبارة أخرى لقد تفطَّن العالم على هذا الغول الذي يَنخر العقول والأبدان باتِّخاذ الإجراءات الضرورية لمكافحتها حاليًّا، والوقاية من سرعة انتشارها مستقبلاً.
وكما ذكَرنا مسبقًا، فإن من دور المشاركة الشبابية في تطوير المجتمع نَشْر الوعي بالقضايا المهمة، وقد أظهَرَت بعض المنظَّمات الشبابية نجاحًا في نَشْر الوعي بشأن قضايا الشباب، كما أن من دورهم أيضًا التأثير، فلا يكفي أن يكون دور الشباب في المشاركة المجتمعية مقتصرًا على نَشْر الوعي فقط؛ وإنما يجب أن يشملَ الإقناع والتأثير في الناس؛ لأن الشباب يَمتلكون مهارة حُسن التواصل مع جميع فئات المجتمع، وقد نجَحت مؤسسة فودافون مصر لتنمية المجتمع في محو أُميَّة الكثير من الشعب المصري، كما نجَحت حملة "حماية" التي أسَّسها الداعية الديني عمرو خالد في التوعية بمخاطر الإدمان، وإقناع الكثير من المدمنين بالعلاج؛ لذا يستطيع الشباب نَشْرَ الوعي والتأثير في الناس بشأن المخاطر المختلفة، كالإدمان والأمراض، والكوارث الطبيعية.
تصورات بشأن تطوير المشاركة الشبابية في مواجهة المخدرات:
تعريف الإدمان: هو حالة يعاني فيها الإنسان من وجود رغبة مُلِحَّة عند تعاطي مادة بصورة استمراريَّة أو متقطعة، وراء هذا التعاطي رغبة في الشعور بآثار نفسيَّة معيَّنة، أو آثار تجنُّب مزعجة عند عدم استعمال المادة، ويؤدي التعاطي إلى تغيُّرات سلوكيَّة تؤثِّر على توافُق الفرد، وتؤدي أيضًا إلى فشله في أداء دوره الاجتماعي والوظيفي.
مكافحة الإدمان إلكترونيًّا:
يُمكن نشر الوعي بمخاطر الإدمان، عن طريق النشر بمواقع الإنترنت، ورسائل الجوَّال والبريد الإلكتروني، وقد أطلَق صندوق مكافحة وعلاج الإدمان في مارس 2011م أوَّل موقع ومنتدًى إلكتروني على شبكة الإنترنت، في مبادرة تُعَدُّ الأولى من نوعها؛ لتمكين الشباب من رَفْض المخدرات، وذلك في إطار حملته المعروفة باسم "اختار[اخْتَرْ] حياتك" ، واستنادًا إلى دور تكنولوجيا المعلومات في جَذْب الشباب.
وقد [أسهم] الشباب أنفسُهم في تطوير شكل ومضمون الموقع، بما يَضمن جَذْبَه لأكبر عدد من الشباب للمشاركة فيه والتفاعل مع مكوِّناته المختلفة، والتي تضمُّ أقسامًا للتوعية، وأقسامًا تفاعليَّة، وتركِّز على الشباب والمفاهيم الخاطئة، والأسرة، والأخبار والأحداث، وأسئلة وإجابات عنها، واستجلاء رأي الدين والقانون، وخدمات الخطِّ الساخن لعلاج الإدمان على الرقم المجاني (16023).
ويَستهدف الموقع الأبناء من الفئات العمرية من 10 إلى 25 عامًا، والوالدين من 25 إلى 55 عامًا؛ حيث يعمل على تشجيع الشباب على المشاركة الإيجابية الفعَّالة في مواجهة الإدمان، ورَفْع وعي الأسرة؛ للقيام بدورها في وقاية أبنائها من المخدرات، وتعريفها بالأسلوب الأمثل في التربية الوالديَّة، وكذلك الاكتشاف المُبَكِّر لحالات تعاطِي المخدرات.
من الضروري جدًّا تنمية التمسُّك بالوازع الديني، بعد طُغيان المادة والتكنولوجيا الحديثة، فلقد وجَد أحد الباحثين أنه كلما كان الفرد أقلَّ تمسكًا بالدين والقيم، كان كثير التعرُّض لتقبُّل ضربات الخمر والمخدرات؛ لذا وجَب على رجال الدين التوعية في خُطَبهم بحُرمة وأضرار المخدرات.
تنظيم ندوات يشترك فيها المتخصصون في الجوانب النفسية والاجتماعية، والطبيَّة والشرعيَّة للمخدرات.
نَشْر المقالات للتوعية في الصحف والمجلات العامة، أو في المدارس والمعاهد الطلابيَّة (المجلات الحائطيَّة المدرسية).
تنظيم تمثيليات ومسلسلات تلفزيونية وإذاعية، توضِّح أضرار المخدرات محليًّا وجِهويًّا ووطنيًّا.
إعداد نشرات مُيَسَّرة توضِّح بأسلوب سهل وجذَّاب أخطارَ المخدرات، وتوزيعها على أكبر عددٍ ممكن من أفراد المجتمع: في الطُّرقات، أو المدارس، أو الثانويَّات، أو النوادي.
إعداد بحوث علمية ونَشْرها ومناقشتها خلال الندوات، والمنابر الحُرَّة المُنظمة من قِبَل الحركة الكشفية، أو غيرها من المنظمات.
مشاركة جميع الهيئات في التوعية، خصوصًا أئمة وخُطباء المساجد؛ لِمَا لهم من تقدير واحترام، وقدرة على التأثير في الناس.
اهتمام المؤسَّسات المجتمعيَّة بإعداد برامجَ وحملات، وخُطَط للتوعية بأضرار المخدرات، وقد نجَحَت حملة "حماية" التي أسَّسها الداعية الديني عمرو خالد في التوعية بمخاطر الإدمان، وإقناع الكثير من المدمنين بالعلاج، كما أسَّست جامعة الدول العربية أوَّل آلية عربية لمكافحة الإدمان، وأوْضَحَت غنام أنَّ الآليَّة الجديدة ستكون بمشاركة وزارات التعليم والشباب والرياضة والإعلام بالدول العربية؛ وذلك انطلاقًا من مفهوم أنَّ مكافحة المخدرات هي مسؤولية مجتمعيَّة، وليست أَمنيَّة فقط، وأنْشَأَت أيضًا أوَّل معهد لتخريج أطباء متخصِّصين في علاج الإدمان؛ حتى يتمَّ تخريج أطباء لَدَيهم الخِبرة الكافية في هذا المجال.
طباعة شعارات "لا للمخدرات" على جميع المنتجات الغذائية، والإلكترونية والملابس.
طباعة النشرات والمطبوعات؛ للتوعية بمخاطر الإدمان.
إدخال دروس التوعية بمخاطر الإدمان في مناهج التعليم بالمدارس.

المراجع

محمد علي محمد؛ "الشباب والمجتمع".
عزت حجازي؛ "الشباب العربي والمشكلات التي يواجهها".



مشاركة الشباب في قضايا المجتمع

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments



Top