المؤلف: محمود بن أحمد بن صالح الدوسري

مقدمة:
إن الكتاب الذي لا ريب فيه, ولا نقص يعتريه هو القرآن الكريم, روح الأمة الإسلامية, به حياتها وعزها ورفعتها.
والقرآن العظيم روح يبعث الحياة ويحركها وينميها في القلوب وفي الواقع العلمي المشهود, والأمة بغير القرآن أمة هامدة لا حياة لها ولا وزن ولا مقدار.
والعالم كله في حاجة إلى نور القرآن, لتصان كرامة الإنسان الذي صار في عصرنا أرخص شئ في دنيا الناس, والعالم, أيضا, في حاجة إلى القرآن ليكون الحق والعدل أساسا في معاملة الإنسان للإنسان.
وما أحوج المسلمين في هذا الزمن إلى القرآن, ذلك أنهم لا يستطيعون أن يواجهوا قضايا عصرهم وزمانهم إلا بالقرآن الكريم, يعتصمون به في روابطهم, ويقيمون أحكامه في حياتهم, ويجاهدون به أعداءهم ويصلحون به دنياهم ويستقبلون به آخرتهم.
دلائل عظمة القرآن الكريم:
إن الحديث عن عظمة القرآن الكريم أعظم من أن يحيط بها بشر, فكيف بمن يكتب أوراقا محدودة ولا غرابة في ذلك, فهو أحسن الحديث وأعظمه وأطيبه وأحكمه, وهو الكتاب الذي لا ريب فيه, ولا نقص يعتريه, لبلاغه آياته, وسمو إشادته, ودقة معلوماته, وقوة دلائله وبياناته, وجمال عباراته.
وإذا تأملنا سنجد أن دلائل عظمة القرآن, كما بينتها آياته الحكيمة, تتمثل في أمور متعددة منها, ثناء الله عز وجل عليه, وعظمة مُنزله تعالى, وكونه مستقيما لاعوج فيه, وخشوع الجبال وتصدعها لو نزل عليها, وانقياد الجمادات لعظمة القرآن, وتحدى الحق سبحانه الأنس والجن بالقرآن, إضافة إلى المعجزات العديدة التي حملها بين دفتيه.
ومن دلائل عظمة القرآن, كذلك, كثرة العلوم المستنبطة منه, كما أن خصومه وأعداؤه شهدوا بعظمته على مر العصور.
مظاهر عظمة القرآن الكريم:
والمتدبر للقرآن الكريم يلحظ كثرة الحديث عن عظمة القرآن في جانب كبير من الآيات والسور, ولاسيما السور المكية.
ونحن عندما نتحدث عن مظاهر عظمة القران فهي عصية على الحصر, ولكن نذكر منها, كثرة أسماء القرآن, حيث سمي بأسماء عديدة منها: الفرقان, البرهان, الحق, النبأ العظيم, البلاغ, الروح, الموعظة, الشفاء, أحسن الحديث.
كما وصف القرآن بأوصاف متعددة, منها الحكيم, العزيز, الكريم, المجيد, العظيم, البشير والنذير, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومن مظاهر عظمة القرآن الكريم التنويه به في مفتتح السور, والحديث عنه في أواخر السور, والقسم بالقرآن وعليه.
ومنها كذلك تفضل الحق تبارك وتعالى بإنزال القرآن, ونزوله في أفضل الأزمنة, ونزوله بأرقى اللغات وأجمعها, وتيسير فهم القرآن وتلاوته للعالمين.
ومن مظاهر عظمة القرآن كذلك, حفظ الله عز وجل له, وكونه كتابا للعالمين, وتصديق القرآن لكتب الله السابقة وهيمنته عليها.
عظمة القرآن في أسلوبه ومقاصده:
وعندما نتحدث عن عظمة القرآن في أسلوبه, فإننا نذكر مناسبة أسلوبه للعامة والخاصة, وإرضاؤه العقل والعاطفة معا, وجودة سبكه وإحكام سرده, وتعدد أساليبه, واتحاد معناه, وجمعه بين الإجمال والبيان, وإيجاز لفظه ووفاء معناه.
أما عظمه مقاصده, فتتمثل في حثه على إقامة الدين وحفظه, وتصحيح العقائد والتصورات, ورفع الحرج, وتقرير كرامة الإنسان وحقوقه, وإسعاد المكلف في الدارين, الدنيا والآخرة.
عظمة التشريع القرآني:
المسلمون جميعا على تباين أقطارهم, وتباعد ديارهم, يرجعون إلى القرآن العظيم, لأنه المنهاج الأمثل, الذي ارتضاه الله تعالى للإنسانية, وقد اشتمل القرآن على تشريعات عادلة احتوت أحكاما كلية ومبادئ عامة في كل فروع التشريع.
وتتجلى عظمة التشريع القرآني في شمول هذا التشريع, وخلوده على مر الزمان.
عظمة قصص القرآن:
القصص منهج رباني مبارك, ويعد خلاصة لتجارب الأمم السابقة على مر التاريخ, وتتمثل مظاهر العظمة في قصص القرآن في أمور عدة, منها ربانية المصدر, مطابقة الواقع والصدق, الانتخاب مع العبرة والعظة, التنويع في تصوير الأحداث.
وتتجلى عظمة مقاصد قصص القرآن في أمور منها, إثبات الوحدانية لله تعالى, وإثبات الوحي والرسالة, وإثبات البعث والجزاء, تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأمته, العبرة بأحوال المرسلين وأممهم, بيان جزاء الأمم السابقة ونهاية مصيرها, وتربية المؤمنين على مواجهة اليأس بالصبر, والدعوة إلى الخير والإصلاح ومنع الفساد, وبيان قدرة الله عز وجل على الخوارق, وبيان نعم الله تعالى على أنبيائه وأصفيائه.
عظمة فضائل القرآن:
وفضائل القرآن نقصد بها المزايا التي جاءت في ثواب تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه وحفظه وتدبره والعمل به عموما, أو المزايا التي جاءت في بعض السور والآيات, أو ما يحصل لقارئه من الأثر المترتب على ذلك في الدنيا والآخرة.
ومن قبيل هذه الفضائل أن القرآن يهدي للتي هي أقوم, وأنه كتاب مبارك, وأنه تبيان لكل شئ, وأنه هدى ورحمة وبشرى للمسلمين, وأنه بصائر للمؤمنين, كما أنه نور وحياة للمستجيبين له.
ومن قبيل ذلك أيضا أن المتمسك بالقرآن لن يضل أبدا, وأنه حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض, وأنه يشفع لأصحابه يوم القيامة.
ومن عظمة فضائل القرآن أن استماعه سبب لرحمة الله ولهداية الإنس والجن, وسبب لخشوع القلب وبكاء العين وزيادة الإيمان.
كما أن معلم القرآن ومتعلمه متشبه بالملائكة والرسل, وأن خير الناس وأفضلهم من تعلم القرآن وعلمه, وأن تعلم القرآن وتعليمه خير من كنوز الدنيا, فمن علم آية كان له ثوابها ما تليت.
وتلاوة القرآن تجارة رابحة, حيث تتنزل السكينة والرحمة والملائكة, فهي كلها خير لأهل الإيمان, أما الحافظ للقرآن فهو المقدم في الدنيا والآخرة, حيث يلبس تاج الكرامة وحلة الكرامة ويفوز بالرضى, وهو مع السفرة, وهو, كذلك, من أهل الله وخاصته.
وفضائل العمل بالقرآن كثيرة ومتنوعة, بعضها في الدنيا وبعضها في الآخرة, ومنها, الهداية والرحمة والفلاح في الدنيا والآخرة, وتكفير السيئات وإصلاح البال.
ولا يمكن لأحد أن يستقصى فضل القرآن وفضائله, ولو فعل ما استطاع, ولو قدر أن يستطيع ما اتسعت لذلك صحف الأرض كلها.
مكانة القرآن في حياة المسلمين:
القرآن الكريم لم يغادر صغيرة ولا كبيرة فيها صلاح المجتمع المسلم والفرد المسلم إلا أمر بها, وحذر من تركها والزهد فيها, ومن ثم فإن للقرآن مكانة عظيمة في حياة المسلمين, فهو أكبر عوامل توحد المسلمين, ومصدر التشريع, ومنهج التربية الفردية والجماعية, ومنهاج لحياة المسلمين عامة.
وتتمثل أبرز الأهداف الأساسية للقرآن العظيم في حياة المسلمين في الهداية إلى الله تعالى, وإيجاد المجتمع القرآني المتعاون, وتحصين الأمة الإسلامية من أعدائها.
 حق القرآن الكريم على الأمة:
وهناك حقوق متعددة للقرآن على المسلمين, منها الإيمان به, وصونه والعناية به, وتلاوته, وحفظه في الصدور, وتدبر آياته, وتعلمه وتعليمه, والعمل به, والتأدب معه, والدعوة إليه وتبليغه.
وأخيرا نقول إن الله تبارك وتعالى شرف الأمة المسلمة بإنزال القرآن إليها وخصها بذلك دون سائر الأمم, والأمة في وقتنا الحاضر أصبحت في مؤخرة الأمم وتنكبت عن ركب الحضارة, ولا صلاح لها ولأحوالها إلا بعودتها إلى كتاب ربها والعمل به والتحاكم إليه.