أدخل كلمة للبحث

  • تسجيل الدخول
  • الفهرس
  • القرآن الكريم
  • أمثلة و حكم
  • اتصل
  • الأحد 27, أبريل 2025








بلاغ عام

حصريا بالموقع

    • اسماء الله الحسنى: مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة

      اسماء الله الحسنى: مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.توطئة: أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس أسماء الله الحسنى، وفي هذا الدرس نتحدث بشكل عام عن مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة إلى الله. 1 – القوة الإدراكية في الإنسان: بادئ ذي بدء، لقد أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وميّزه بهذه القوة عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية تستلزم طلب الحقيقة، فقد خلق فيه حاجة عليا للمعرفة، وما لم تلبَّ هذه الحاجة العليا، وما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة، وما لم يبحث عن سر وجوده، وعن غاية وجوده، وعن أفضل شيء يمكن أن يفعله في وجوده فقد هبط عن مستوى إنسانيته، هناك حاجات سفلى، وحاجات دنيا، وهناك حاجات عليا مقدسة. فالله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان هذه القوة كي تلبَّى، لذلك الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة، والذي يتعرف إلى سر وجوده، وإلى غاية وجوده هو إنسان لعله اقترب من أن يؤكد ذاته، ويحقق وجوده في الأرض. 2 – أصلُ الدين معرفةُ الله: النقطة الدقيقة أن أصل الدين معرفة الله، وفضلً معرفة الله على معرفة خَلقه كفضل الله على خلقه، وكم هي المسافة كبيرة جداً بين أن تعرف شيئاً من مخلوقات الله وأن تعرف خالق السماوات والأرض، المسافة كبيرة جداً، فعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))[رواه الدارمي في سننه] والآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه، فلذلك ما من معرفة تعلو على أن نعرف الله عز وجل: (( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء))[ورد في الأثر] أيها الإخوة الكرام، لو أن طفلاً صغيراً قال: معي مبلغ عظيم، كم نقدر هذا المبلغ ؟ نقدره مئتي ليرة مثلاً، أما إذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى: أعددنا مبلغاً عظيماً للحرب، فإنك تقدره مئتي مليار، الكلمة نفسها قالها طفل فقدرناها برقم، وقالها إنسان آخر فقدرناها برقم، فإذا قال خالق السماوات والأرض: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾( سورة النساء ) 3 – لا شيء يعلو على مرتبة العلم: لذلك لا شيء يعلو على مرتبة العلم، وإذا أدرت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل. بالمناسبة، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاًَ. 4 – معرفةُ الآمرِ قبل معرفة الأمر: أيها الإخوة الكرام، هناك نقطة دقيقة جداً ؛ يمكن أن تتعرف إلى الله، ويمكن أن تضعف معرفتك بالله، وتتعرف إلى أمره ونهيه، لكن الحقيقة الصارخة أنك إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، بينما إذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر. كأنني وضعت يدي على مشكلة العالم الإسلامي الأولى، الصحابة الكرام قلة، وقد وصلت راياتهم إلى أطراف الدنيا، لأنهم عرفوا الله، وحينما اكتفينا بمعرفة أمره، ولم نصل إلى معرفته المعرفة التي تحملنا على طاعته كما ترون حال العالم الإسلامي فإننا لسنا ممكَّنين، والله عز وجل يقول: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي (55) ﴾( سورة النور) نحن كما في الآية الكريمة، وهذا هو الواقع المرّ، نحن لسنا مستخلَفين، ولسنا ممكَّنين، ولسنا آمنين، والكرة في ملعبنا، لأنه: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) ﴾( سورة مريم) إذاً: الفرق واضح بين الرعيل الأول من الصحابة الكرام الذين عرفوا الله، وطبقوا منهجه، فاستحقوا وعود الله عز وجل، وكما تعلمون جميعاً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين. على كلٍّ ؛ قضية العلم واسعة جداً، قال بعض العلماء: هناك علم بخلقه، يعني عندنا واقع، والعلم وصف ما هو كائن، هناك ظواهر فلكية، علم الفلك، ظواهر فيزيائية، علم الفيزياء ظواهر كيميائية، علم الكيمياء، ظواهر نفسية علم نفس، ظواهر اجتماعية علم الاجتماع، فالعلم مختص بما هو كائن، وهو علاقة مقطوع بها بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل، هذا هو العلم. 5 – العلم بخَلقه أصلُ صلاح الدنيا، والعلمُ بأمْره أصل صلاح الآخرة: لكن هناك شيء آخر، هناك علم بأمره، العلم بخَلقه من اختصاص الجامعات في العالم، أية جامعة تذهب إليها فيها كليات العلوم، والطب، والهندسة، والصيدلة، وما إلى ذلك، هذا علم بخلقه، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، والمسلمون مفروض عليهم فرضاً كفائياً أن يتعلموا هذه العلوم كي يكونوا أقوياء، لذلك العلم بخلق الله أصل في صلاح الدنيا، أما العلم بأمره فأصل في العبادة، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( سورة الذاريات )العبادة:1 – تعريف العبادة:س والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.2 – الكليات الثلاث في العبادة: هذا التعريف فيه كليات ثلاث، فيه كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية:الكلية السلوكية هي الأصل، وما لم يستقم المسلم على أمر الله فلن يستطيع أن يقطف من الدين شيئاً، هذه الكلية السلوكية. المؤمن ملتزم، المؤمن مقيَّد بمنهج الله عز وجل، المؤمن في حياته منظومة قيم، عنده فرض، عنده واجب، عنده سنة مؤكدة، سنة غير مؤكدة، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام، العلم بأمره أصل في قبول العبادة.3 – العبادات شعائرية وتعاملية: بالمناسبة العبادة واسعة جداً، هناك عبادة شعائرية، وهناك عبادة تعاملية، العبادات الشعائرية منها الصلاة والصوم لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال بعض العلماء: " ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة:(( والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا ))[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند ضعيف]العلمُ بأمر الله ونهيه فرض عين: هناك علم بخلق الله، والمسلمون مدعوون إلى طلب هذا العلم، بل هو عليهم فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، وهو أصل في صلاح الدنيا، بينما العلم بأمره أن تعرف الحلال والحرام، أن تعرف أحكام التعامل التجاري، أحكام التعامل اليومي، هذه كلها من أحكام الفقه، ولا بد من أن يتعرف الإنسان إليها، لتأتي حركته في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل. إنك بالاستقامة تسلم، لأنك تطبق تعليمات الصانع، وما من جهة في الأرض أجدر من أن تتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة، لأنها الجهة الخبيرة وحدها: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾( سورة فاطر الآية: 19 ) العلم بأمره فرض عين على كل مسلم، العلم بخَلقه فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، بينما العلم بأمره فرض عيني على كل مسلم، كيف تعبد الله ؟ من أجل أن تعبده لا بد من أن تعرف أمره ونهيه، فالعلم بخلقه من أجل صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، وعلم بأمره من أجل قبول العبادة.العلمُ بأمر الله يحتاج إلى دراسة، والعلم بالله يحتاج على مجاهدة: لكن بقي العلم به، العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة، إلى مدرس، إلى كتاب، إلى وقت، إلى مطالعة، إلى مذاكرة، إلى مراجعة، إلى أداء امتحان، إلى نيل شهادة، ولكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة. أنت حينما تلتزم، وحينما تأتي حركتك في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل عندئذ يتفضل الله علينا جميعاً فيمنحنا وميضاً من معرفته جل جلاله، فلذلك العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، وعلم بأمره يحتاج إلى مدارسة أيضاً والعلم بخلقه وبأمره أصل في صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، والثاني أصل في قبول العبادة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، فبقدر ما تضبط جوارحك، بقدر ما تضبط حركاتك وسكناتك، بقدر ما تضبط تطلعاتك وبيتك وعملك، بقدر ما يتفضل الله عليك بأن يمنحك شيئاً من معرفته.طرق معرفة الله تعالى: الحقيقة نحن أمام طرق ثلاثة سالكة:الطريق الأولى: النظرُ في الآيات الكونية: أول بند آياته الكونية، قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) لذلك من أجل أن نعرف الله عز وجل لا بد من أن نتفكر في مخلوقاته، والآية واضحة جداً، وفيها إشارة دقيقة إلى أن المؤمن يتفكر في خلق السماوات والأرض تفكراً مستمراً، والفعل المضارع ( يتفكرون ) يدل على الاستمرار، فمن أجل أن أعرف الله ينبغي أن أتفكر في مخلوقاته. هذا الكون أيها الإخوة الكرام ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقد قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي. أول شيء، هناك آيات كونية تحتاج إلى تفكر، الآيات الكونية نتفكر بها، وهذا طريق آمن، لأن كل ما في الكون يعد مظهراً لأسماء الله الحسنى، وهذا موضوع الدرس الأول. ترى في الكون رحمة، إذاً: الله رحيم، ترى في الكون حكمة، إذاً: الله حكيم، ترى في الكون قوة، الله قوي، ترى في الكون غنى الله غني، فكأن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا طريق إلى معرفة الله. بالمناسبة في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون. أيها الإخوة الكرام، بربكم إن قرأت آية فيها أمر، تقتضي هذه الآية أن تأتمر، وإن قرأت آية فيها نهي، تقتضي هذه الآية أن تنتهي، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل الجنة تقتضي هذه الآية أن تسعى لدخول الجنة، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل النار تقتضي هذه الآية أن تتقي النار، ولو بشق تمرة، وإن قرأت قصة أقوام سابقين دمرهم الله عز وجل تقتضي هذه الآية أن نتعظ، وأن نبتعد عن كل عمل يفعله هؤلاء. الآن السؤال: وإذا قرأت آية فيها إشارة إلى الكون، إلى خلق الإنسان، ماذا تقتضي هذه الآية ؟ تقتضي هذه الآية أن تفكر في خلق السماوات والأرض. أيها الإخوة الكرام، ألف وثلاث مئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون، وخلق الإنسان، والآية مرة ثانية أرددها على مسامعكم: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) هذا طريق سالك إلى الله، وهو التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو طريق سالك وآمن ومثمر.الطريق الثانية: النظرُ في أفعالِ الله تعالى: هناك طريق آخر، قال تعالى:﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) ﴾( سورة النحل ) الآن الطريق الثاني في معرفة الله: أن تنظر في أفعاله، الله عز وجل فعّال لما يريد، وأفعاله متعلقة بالحكمة المطلقة، وقد قال بعض العلماء: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وأراده الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق. بالمناسبة، هناك آيات كونية هي خَلقه، وهناك آيات تكوينية هي أفعالُه، وهناك آيات قرآنية كلامُه، إذاً: طريق معرفة الله التفكر في آياته الكونية خلقه، والنظر في آياته التكوينية أفعاله، ثم تدبر آياته القرآنية. ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لـــما وليت عنا لغيرناو لــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتناولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحـبناولو نسمت من قربنا لك نسمـــة لمت غريباً و اشتياقاً لقربنـــا***آية فيها سلامة الإنسان: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ أيها الإخوة الكرام: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾( سورة الرعد الآية: 28 ) في القلب فراغ لا يملأه المال، ولا تملأه المتع، ولا تملأه القوة، نحن بحاجة إلى الإيمان، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾( سورة طه ) الإنسان مجبول على حب وجوده، وعلى جب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، سلامة وجوده أساسها تطبيق منهج الله، وكمال وجوده أسها القرب من الله عز وجل، واستمرار وجوده أساها تربية الأولاد كي يكون هذا الابن استمراراً لأبيه.أربع مساحات في الإسلام:1 ـ مساحة العقيدة:العقيدة أخطر المساحات الأربع: أيها الإخوة الكرام، إذا: يمكن أن نرمز إلى الإسلام بمثلث فيه أربع مساحات، المساحة الأولى: مساحة العقيدة، وأخطر شيء في الإسلام العقيدة، لأنها إذا صحت صح العمل، وإذا فسدت فسد العمل. بالمناسبة، الإسلام يقدم للإنسان تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة للكون والحياة والإنسان، لمجرد أن تقرأ القرآن الكريم فأنت أمام منظومة تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة، تعرف سر الحياة الدنيا، لماذا أنت في الدنيا ؟ ما حكمة المرض ؟ ما حكمة المصائب ؟ لماذا هناك موت ؟ وماذا بعد الموت ؟ ماذا قبل الموت ؟ من أين جئت ؟ وإلى أين أنا ذاهب ؟ ولماذا عندك أمن عقائدي ؟ لذلك إذا شرد الإنسان عن الله، وتوهم أفكاراً معينة، وآمن بها قد يفاجأ مفاجأة صاعقة، أن هذه الأفكار غير صحيحة، أما حينما يؤمن بالله، ويؤمن بمنهجه، والمنهج يقدم له تفسيراً عميقاً دقيقاً متناسقاً لحقيقة الكون، ولحقيقة الحياة الدنيا، ولحقيقة الإنسان عندها يفلح. فلذلك في هذا المثلث المساحة الأولى مساحة العقائد، لذلك الخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، أفضل ألف مرة أن تقع في خطأ في مفردات المنهج من أن تقع في خطأ في أصل التصور، فالميزان غير منضبط لو استخدمته مليون مرة فالوزن غير صحيح، أما إذا كان منضبطاً، وأنت أخطأت بقراءة الرقم فهذه مرة واحدة، فالخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر. لذلك أفضل ألف مرة أن نخطئ في الوزن من أن نخطئ في الميزان، فالمساحة الأولى في المثلث هي مساحة العقيدة، فإن صحت صحّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، وما من انحراف في السلوك إلا بسبب انحراف في العقيدة، ولو أن العقيدة لا يتأثر بها السلوك فاعتقد ما شئت، ولكن ما من خطأ في العقيدة إلا وينعكس خطأ في السلوك. للتقريب: أحياناً يخطئ الطيار في تحديد الهدف في الجو بميليمتر واحد، هذا الميليمتر في الجو ينقلب في الأرض إلى كيلو متر، فالخطأ في العقيدة له آثار سيئة جداً، لذلك يجب أن تصح عقائدنا، والإنسان بحاجة إلى أن يراجع ما يعتقد، أحياناً يعتقد شيئا غير صحيح، خرافة أحياناً، شيئا شاع بين الناس، فلابد من بحث في العقيدة، والشيء الدقيق أن الله لو قبِل من إنسان عقيدة تقليداً لكان كل الضالين في الأرض مقبولين عند الله، لكن لأن الله عز وجل يقول:﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾( سورة محمد ) لا تقبل العقيدة من المؤمن إلا تحقيقاً، قضية التقليد مرفوضة، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾( سورة محمد )2 ـ مساحة العبادة:الأصل في العبادات المنعُ والحَظْرُ: المساحة الثانية في المثلث مساحة العبادات، والأصل في العبادات الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، لأن العبادات قربات إلى الله، والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( سورة الذاريات ) والعبادة علة وجودنا، بل هي سر وجودنا، لكن لهذه العبادة مفهومات دقيقة جداً، ولها مفهومات واسعة. العبادة تدور مع الإنسان حيثما دار في كل أوقاته، وفي كل أحواله، وفي كل شؤونه فلذلك، المساحة الثانية العبادات.لا تصح العبادات الشعائرية إلا إذا صحت العبادات التعاملية: أخطر ما في الموضوع أن العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))[ مسلم عن أبي هريرة ] هذه الصلاة. الصوم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ] الحج:(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))[ ورد في الأثر ] الزكاة، قال تعالى: ﴿ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ {53} ﴾( سورة التوبة الآية: 53 ) شهادة أن لا إله لا الله:(( من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ] فالعبادات الشعائرية كالصلاة والصوم لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، فلذلك المساحة الأولى مساحة العقائد، والمساحة الثانية مساحة العبادات.3 ـ مساحة المعاملات: والمساحة الثالثة مساحة المعاملات، سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما لما سأله النجاشي عن الإسلام ماذا قال ؟ قال: (( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ))[ أحمد عن أم سلة ] إذاً: الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:(( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ))[ متفق عليه عن ابن عمر ] الإسلام بناء أخلاقي، والعبادات الخمس أركان الإسلام، لذلك قالوا: الإيمان هو الخَلق، ومن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان. أول مساحة العقائد، الثانية العبادات، الثالثة المعاملات: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام. والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا.4 ـ مساحة الأخلاق: المساحة الأخيرة مساحة الأخلاق:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ما لم تكن متمسكاً بمكارم الأخلاق، ما لم يكن منصفاً، ما لم يكن متواضعاً، ما لم يكن رحيماً فكأنك لن تقطف ثمار هذا الدين.خاتمة: أيها الإخوة الكرام، هذا تقديم وتمهيد لموضوع أسماء الله الحسنى، يقول الله عز وجل:﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) ﴾( سورة طه ) ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾( سورة الأعراف ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))[ متفق عليه ] وهاتان الآيتان وهذا الحديث نشرحهما إن شاء الله في درس قادم.والحمد لله رب العالمين

    • الصَّلاة

    • المصائب

بالصوت و الصورة

الأحد، 25 ديسمبر 2016
chalhaoui

الواجب نحو مشكلات الشباب



الواجب نحو مشكلات الشباب


 
الشيخ الدكتور
عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiZCUT7_7nN9G9j2hDfn6tQbX79gssB1a6q_i2K4kOlVadoQzwvKv9AO60BlnQ-pFXZ03GugrYN7KOSESUM9OuJbo1zkRgkSnYaeO5mMoo_JDVTnuqu3TK4d2vrO5iSpP_tKE5d2j2IQqpn/s1600/
عباد الله:
أرأيتم لو عَلِم أحدنا أنَّ هناك لصوصًا وقُطَّاع طُرق يتربَّصون به وبأهل بيته الدوائرَ، ويتحيَّنون عثراتهم، وينشدون غفلاتهم، أيَقَرُّ له قرارٌ؟ وهل يَهنأ بغمضٍ أو يستلذُّ بنومٍ؟ ولو غضَّ طرْفه عنهم وترَكهم يعيثون فسادًا، فما عسى الناس قائلين في حقِّه؟ وهل يوافقونه على تصرُّفه هذا، أو يعيبونه عليه؟ ثم لو كانت الخسارة متعلِّقة بشيءٍ من المال، لهان الخَطْب وصَغُر الأمر، ولكن إذا تعلَّقت الخسارة بفَلذات الأكباد ومُهَج النفوس الذين امتنَّ الله علينا بهم، فهنا الخسارة، فحين يَحرص الوالدان على صحة ابنهما البدنيَّة، ويهتمَّان بغذائه ومَلبسه، ويَغفلان عن صحَّته الدينيَّة والخُلقيَّة، فهنا الخسارة المركَّبة والخطأ الجسيم.
عباد الله:
هناك مظاهر في مجتمعاتنا تُرى من الشباب والمراهقين ووقائع تُروى تُثير العجب، وتستوقف الحريص الغيور؛ فهناك بعض التجمُّعات الشبابيَّة في الشوارع، وعند بعض المدارس، التي لا تخلو من العبث بالسيارات، وتعريض النفس والآخرين للخطر، وما يستغرب من التعلُّق الكبير بالسيارات وقائديها، ممن يُعرَف بالعبث بها، أو تكون من السيارات الفارهة التي تَخلب الألباب، وما يسمع عن بعض التجمُّعات في الاستراحات أو الشُّقق التي يجتمع فيها ثُلَّة من المراهقين والشباب، دون مُبرر سوى البُعد عن أعين الناس في غفلة من أهاليهم، وفي هذه العزب والشُّقق يأوي هؤلاء الشباب خلال أوقات الدراسة، حين يتخلَّفون عن مدارسهم وفي أوقات متفرِّقة، ورُبما اختلَط فيها الكبير بالغرِّ الصغير الجاهل، الذي لا يُدرك ما حوله، ولا يَفهم الهدف من إحضاره، وفيها تشاهد القنوات الفضائية التي تَعُجُّ بالرذيلة والفجور، وتَنشر الفحش عبر الأثير، وفيها يتعلَّم الجميع فنون تناول الدُّخَان والشيشة، وما نحا نحوها من الخبائث والنتن، وما ظنُّكم بثُلَّة مراهقين يختفون عن أعين الناس، وفيهم الطيِّب والخبيث؟ أتترُكهم شياطين الجن والإنس دون توريطهم فيما يَشين؟
وقد عَلِمنا يا عباد الله خُطورة مرحلة المراهقة، وما يَكتنفها من المخاطر، وما يُعانيه المراهق من الدوافع التي تدعوه للوقوع فيما حرَّم الله تعالى من الأفعال القبيحة، حين تحف به الأسباب الميسِّرة لذلك؛ من ضَعْف الإيمان، والخَواء الرُّوحي، والتهاون بالواجبات الشرعيَّة وعلى رأسها الصلاة، والفراغ الذي يجعل الفتى ميَّالاً إلى ما يُلهي ويُضيِّع الوقت فيما لا يُجدي، ناهيك عن صاحب السوء الذي يُحسِّن القبيح، ويدعو إلى الرذيل من الأفعال بقوله وفِعله، وما يَعمد إليه بعض الصِّغار من المبالغة في التجمُّل والتطيُّب، والتساهل في بعض الحركات المكروهة، والركوب مع مَن هبَّ ودَبَّ، والانصياع لأدنى تهديدٍ أو ترغيب، أضفْ إلى ذلك كله ما تَعُجُّ به وسائل الإعلام الوافدة عبر الأثير من مشاهد فاضحة، وصور فاتنة، تَسلُب لبَّ العاقل الكبير، فضلاً عن المراهق الغرير، وكم من الضَّحايا الذين سقطوا على أعتاب هذه القنوات، أو مواقع الإنترنت الخليعة.
كل ذلك يا عباد الله مما يُضاعف المسؤولية نحو أبنائنا وإخواننا، ويدعو كلَّ مسؤول إلى أن يتحمَّل مسؤوليَّته المُلقاة على عاتقه، ويُبرئ ذِمَّته أمام ربِّه.
إنها مسؤوليَّة جسيمة، وواجب أكيد يحمل عِبْأَه الآباء والأولياء والمعلِّمون، ومعهم الدُّعاة والناصحون والمسؤولون، وليست هذه المهمَّة بالسهلة اليسيرة؛ فالمراهق في أمَسِّ الحاجة إلى التربية البنَّاءة واليد الحانية التي ترفق به، وتأخذ بيده إلى مواطن الخير، وتُحَذِّره من مواطن الشر، وتُبَصِّره بما يهمُّه.
فالأبُ مسؤول عن رعيَّته التي استرعاه الله إيَّاها، ولو تفقَّد الأب أبناءه، وراعى أحوالهم - التي تتقلَّب من كونهم أطفالاً، ثم مراهقين، ثم شبابًا - لاستفاد الابن كثيرًا، فهل يعرف الأب جُلساء ابنه؟ ومع مَن يغدو ويروح؟ وأين يسهر؟ وإلامَ يذهب أو يسافر؟ وهل بصَّر ابنه بخطورة جُلساء السوء وقوَّة تأثيرهم؟
ألا وإن للبيت أثرًا لا يُنكَر في تَنشئة الأولاد، فهل يستوي البيت الذي لا تُسمع فيه المُنكرات ولا تُرَى، ولا تدخله وسائل الإفساد والتأثير السلبي، مع ذلك البيت الذي يستقبل كلَّ وافد عبر الفضاء من القنوات، أو عن طريق المجلات والصور الهابطة، ولا يُسمَع فيه قُرآن ولا ذِكر، ورُبما كان أهله ضُعَفاء في شأن الصلاة أو الستر والحجاب؟
ومهما بذَل المربُّون والنَّاصحون من الجهود في استصلاح الشباب والمراهقين، فإنَّ أثرهم لا يَعدل نصف الأثر الذي يتلقَّاه الابن والبنت من البيت والوالدين، وفي ذلك يقول الإمام ابن القَيِّم - رحمه الله تعالى -: "فمَن أهمَل تعليم ولده ما ينفعه، وترَكه سُدًى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم، وتَرْك تعليمهم فرائضَ الدين وسُننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولَم ينفعوا آباءَهم كبارًا".
وهناك أدب قُرآني أرشَد القرآن الكريم إليه، ونحن في حاجة لاستحضاره وتطبيقه؛ ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5].
وقد عَلِم المربُّون ما تجرُّه وَفرة المال بيد المراهق في ظلِّ غفلة الرقيب، وكم يتألَّم العاقل حين يرى صبيًّا وبيده سيارة يصول بها ويجول، فكم آذى وتعدَّى وأزعَج الناس، وطالَما كانت السيارة سببًا في تغيُّر سلوك قائدها الصغير، فلنكن على عِلْمٍ بذلك يا عباد الله، ولننتَبه إليه إن كنَّا حقًّا ننشد صلاح أبنائنا وبناتنا، ونَطمح في كونهم شبابًا صالحين، بارين بوالديهم، نافعين لمجتمعهم، ومَن الذي لا يحب أن يكون ابنه متفوِّقًا في دراسته، حافظًا لكتاب الله تعالى، متميِّزًا في سلوكه وأخلاقه، دُرَّةً في أُسرته وبين أقاربه، مسارعًا إلى المسجد، حريصًا على العلم والاستفادة؟
إنَّ ذلك كله ليس بعزيز ولا مستحيل، فالهِمَّة العالية للوالدين تَصنع الرجال، وتُخرِّج أجيالاً، وممَّا يُشار إليه في تربية الأولاد: الحاجة إلى استعمال اللطف واللين، وتحسين العلاقة مع الأولاد، وجَعْلها أقربَ إلى الصَّداقة والمودَّة، فلا بدَّ من تَرْك الأساليب الجافة في التربية، وعلاج المشاكل لدى الأولاد، وقد قيل قديمًا في تربية الابن: لاعِبه سبعًا، وأدِّبه سبعًا، وصادِقه سبعًا؛ أي: لاعِبه في سِنيه الأولى، فإذا تَمَّ سبعًا من السنين وبلَغ سنَّ التمييز، يأتي حينذاك دور التربية والأدب، وتلقين المفاهيم والمُثُل الجميلة، وإذا أتَمَّ أربع عشرة سنة، وناهَز سنَّ التكليف، يأتي دور العلاقة الأخويَّة والصَّداقة التي تربط الوالد بولده، فيُعامل الابنُ معاملة الرجال شيئًا فشيئًا، ولا يَعني ذلك تَرْك الشِّدة في وقتها المناسب وبالأسلوب المناسب، فللِّين أوقاته وللشِّدة أوقاتها، وكلُّ خطأ يعالَج بحسبه، وقد قال الشاعر:
فَقَسا لِتَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا
فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ
ولو تأسَّيْنا بنبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تعامُله مع صغار الصحابة، لرأينا الأثر الجميل والأدب الراقي الذي يصنَع الرجال، وكل ذلك قيامٌ بالواجب الذي أمرنا به؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وحديث: ((كلُّكم راعٍ...)).
عباد الله:
عَرَّجْنا في الجمعة الماضية على قضيَّة مهمَّة تتعلَّق بالشباب الذين هم زاد الأُمة وذُخرها، وبهم تَنهض الأُمة أو تكبو - بإذن الله تعالى.
وقد مضَت سُنَّة الله في خَلقه أن تُبتلى هذه الفئة من الناس بتغيُّرات نفسيَّة وعضويَّة بحُكم انتقال الشاب من مرحلة الطفولة واللَّهو إلى مرحلة الرجولة وسنِّ التكليف الشرعي، وإنَّ واجب المجتمع أن يتفهَّم هذه التغيُّرات، ويتعامل معها تعامُل الحاذق الحكيم الذي يُقَدِّر لهذه المرحلة العُمريَّة خُطورتها وأهميَّتها في تركيب مستقبل الفتى - بإذن الله تعالى - إذ إنَّ الخطأ في التعامل والتربية رُبما ولَّد آثارًا لا تُمحى مع مرور الزمن، وتَدَع بَصماتها على الشاب، ولئن كان للوالدين والبيت دورٌ كبير وأثرٌ فاعل في تربية الشاب، وعلاج قضاياه ومشاكله، فإنَّ للمعلِّمين والمربِّين دورًا آخرَ لا يقلُّ عنه أهميَّةً، فالشاب يتلقَّى من معلِّمه القِيَم السامية، ويتأثَّر بسلوك معلِّمه، ومتى أحسن المعلِّم تعامُلَه مع الشاب، وعرَف كيف يُخاطبه، واستَطاع كَسْب الطالب واحتواءَه، أثمرَ سلوكًا حسنًا، وأثرًا لا يُنكر.
فيا معشر المعلِّمين والمربِّين، ويا مسؤولي المدارس، ويا أيها القائمون عليها، إنَّ لكم دورًا لا يُنكر، وأثرًا لا يَخفى في استصلاح أبنائنا من الشباب والمراهقين، فلا بدَّ من معرفة واقعهم، وما يعانونه من تغيُّرات عضويَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة.
يا معشر المعلِّمين:
ضَعوا نُصب أعينكم حاجةَ الشاب إلى اليد الحانية والقلب المُشفق، الذي يأخذ بيده إلى برِّ الأمان، ويُلقِّنه ما يُفيده من القِيَم والمُثُل التي تُحيي قلبه، وتُشعره بانتمائه لدِينه، وتَجعله يعتزُّ بكونه مسلمًا، ولا بدَّ أن يُحسن المعلم الدخول إلى عالم الشاب، وأنْ يبحث عن الأساليب المناسبة في علاج مشاكله، وأنْ يستغلَّ الفرص في ذلك بما يهمُّ الشاب، ويُثير عوامل الخير فيه، والداعية والمربي الحصيف هو ذلك الذي يتحسَّس ما يُعانيه الشباب والمراهقون، ثم يبذل جُهده في طرْح الحلول والعلاجات المناسبة، بعيدًا عن التهويل والتصريح المُزعج، كما لا يكون تلميحًا لا يُفهَم ما وراءه، وما أجمل استعمال أسلوب النُّصح المباشر في وقته المناسب، وبالطريقة المناسبة البنَّاءة.
ويَحسُن أن يتولَّى هذا النوع من مشاكل الطلاب الأساتذة القديرون الثِّقات، الذين يؤتَمنون على أسرار الناس، ويُجيدون حلَّ المشاكل، وغنيٌّ عن القول أنْ تُنَبَّه إدارة المدرسة ومعلِّموها لما قد يَحدث من الطلاب أو بينهم من القضايا غير الأخلاقيَّة قيامًا بالواجب، والتخلِّي عنه أو التساهُل في العلاج، يعود بالضرر على الطلاب وعلى عمليَّة التربية بكاملها، كما لا يخفى الأثر البالغ الذي تترُكه زيارات الدُّعاة والناصحين إلى المدارس، ولُقيا الطلاب والحديث معهم فيما يهمُّهم، وفي ذلك خطواتٌ جيِّدة تَشهدها بعض مدارسنا، والحاجة قائمةٌ للمزيد منها.
أمَّا رجال الأمن على اختلاف جهاتهم، فلهم دورٌ آخر نحو مشاكل الشباب والمراهقين، يتمثَّل في الآتي:
1- أن يتولَّى التحقيق في قضايا الأعراض والأخلاق المحقِّقون الأُمناء الثِّقات، الذين يحملون همَّ استصلاح المجتمع، ويُجيدون التعامل مع هذه القضايا.
2- المحافظة على أسرار ما قد يحدث من القضايا، أو يُضبَط من المحظورات.
3- التنبُّه للتجمُّعات المُريبة، والتواصُل الجاد مع المختصين من رجال الحِسبة في متابعتها، ورَصْد أنشطتها التي قد يكون ضحاياها أبناء المسلمين.
4- ضرورة الحد من العبث بالسيارات، واستعراض المراهقين بها، والحَزْم في هذه المخالفات، وتطبيق العقوبات على الجميع، دون محاباة أو تَغاضٍ عن البعض من المخالفين.
5- استشعار رجل الأمن أنَّه مسؤول عمَّا يراه، أو يُبلغ عنه، وأنْ تخلِّيَه عن واجبه يُعتبر خيانة للأمانة، وظُلمًا للنفس والمجتمع، وقد يكون ضحيَّة هذا التهاون أقربَ الناس إليه.
6- أن يعلم رجل الأمن أنَّ خطورة القضايا غير الأخلاقيَّة، لا تقلُّ أهميَّة عن الحوادث الجنائيَّة إن لم تكن أهمَّ منها، وأحيانًا تكون القضايا غير الأخلاقيَّة سببَ الحوادث الجنائيَّة أو امتدادًا لها.
ولرجال الحِسبة دور فاعل أيضًا في منْع ما يخلُّ بالدين والخُلق؛ فهم رجال الأمن الخُلقي، ولهم دور مهم في حِفظ عورات المسلمين، وكَبْحِ جِماح ذَوِي الشهوات، وللبلديَّة إسهامها في علاج مشكلتنا هذه، بالمسارعة في إزالة المباني المهجورة القديمة، التي ربما كانت أوكارًا لبعض ضُعفاء النُّفوس.
عباد الله:
إنَّ قضيَّتنا هذه مسؤوليَّة الجميع، فعلى الأب أنْ يربي أولاده، ويُنشئهم على معالي الأمور، وعلى المدرسة ومُعلِّميها وإدارتها أن تستكمل العمليَّة التربوية بالمحافظة على ما تعلَّمه الشابُّ من الخير، وتزويده بما يَنفعه، وعلى الدُّعاة والناصحين الحِرْص على تقويم الاعوِجاج بالحِكمة والموعظة الحسَنة، والصبر على الأذى وتحمُّل ما قد يظهر من سوء تعامُل، وعلى المسؤول المكلَّف القيام بمهامه وأداء وظيفته في تعديل الخطأ، ومَنْع وقوع الجريمة بحُكم ما لديه من ولاية وسلطة فُوِّضَتْ إليه من وُلاة الأمور، وقد قال عثمان - رضي الله عنه -: "إنَّ الله ليَزع بالسُّلطان ما لا يَزع بالقرآن".
أي: إنَّ لذَوِي السلطة من الأثر في مَنْع التعدِّي على الحُرمات والرَّدع لِمَن يتجاوزها، ما قد يفوق أثر القرآن الكريم، فالناس مختلفو الأهواء والمشارب، ولكلٍّ حاجات وشهوات؛ منهم مَن يصدُّه الخوف من الله عن الوقوع في المحظور، وتَمنعه قوارع الكتاب والسُّنة عن مقارفة الحرام، ومنهم مَن لا يصده إلاَّ سطوة حاكم وقوَّة مسؤول، ولو تُرِك الناس لشهواتهم دون حسيبٍ أو رقيب لرتَع الكثيرون؛ ولذا جاء الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضَّح القرآن أثر ذلك في صلاح الأُمم والمجتمعات، وأنه لا غنى لأي مجتمع عن القيام بهذه الشعيرة العظيمة؛ ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]. ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].
وبيَّن الله - سبحانه - أن خيريَّة هذه الأُمة مَنوطة بالقيام بهذه الشعيرة، فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
ومتى ما قام الجميع بواجبه، وتمكَّن التعاون على البر والتقوى في نفوس الجميع، واستشعَر كلُّ واحد دورَه المنوط به بإتقانٍ، فإنَّ العاقبة حميدة - بإذن الله تعالى.
اللهم احْفَظ لنا دينَنا وأمْنَنا، اللهمَّ احفظ شبابنا وارزقْهم الصَّلاح والثبات، واجْعَلهم قُرَّة عينٍ لوالديهم ومجتمعهم.

الخطبة الثانية

أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، تلك إشارات إلى قضيَّة مهمَّة لا بدَّ من التعرُّض لها؛ قيامًا بالواجب، وتذكيرًا بالمسؤوليَّة، وذلك شيء من دور الوالد في علاجها، وللمعلِّمين والمربِّين دورٌ آخَر في علاجها ومُراعاتها، ومن ورائهم دور رجال الحِسبة والأمن الذين أُنيط بهم حِفْظ الأمن وسَتْر عورات المسلمين، وإن الحاجة إلى طرْح هذه القضية قائمة في جميع مجتمعات المسلمين في عصرنا هذا، فهي بلوى عامَّة، لا تَعني بلدًا دون آخر، وأوَّل العلاج معرفة المرض وتلمُّس أسبابه، وبيان المتخصِّص في علاجه، والله المستعان وعليه التُّكلان.
فلئن خاطَبنا الجميع وطلبنا القيام بالواجب، فإنَّ هناك همسة أهمسُ بها في أُذن كلِّ شاب؛ علَّها أن توافق أذنًا صاغية وقلبًا مُقبلاً:
أخي الشاب، تذكَّر أنَّ الله تعالى قد خلَقنا لعبادته، ولَم يَخلقنا لنرتَع في الشهوات والمعاصي؛  ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
تذكَّر أنَّ الاستقامة على الطاعة وترْك المعاصي، يُوصلانك إلى الجنَّة التي فيها من النعيم والأُنس  ما لَم يخطر على قلب بشرٍ، نعيم لا انقطاعَ له، وسعادة لا مُنغِّصَ لها؛ ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71].
تذكَّر أيها الشاب أنَّك أملُ والديك، وبك يفخران ويعتزَّان، ولك يبذلان من الوقت والجهد والمال الكثير، لتشبَّ صالحًا نافعًا لِمَن حولك، فلا تُخيِّب ظنَّهما، تذكَّر أنَّك أملُ الدُّعاة والمربين الذين يحتسبون الأجْر في إرشادك وتعليمك وتوجيهك، تذكَّر أنَّ لك إخوانًا قد ضَرَبوا مُثُلاً عُليا في الاستقامة والصلاح؛ قد حَفِظوا من كتاب الله تعالى الكثير، وقرَّت أعينهم ببِرِّ والديهم، ارتفَعت هِمَمهم عن سَفاسف الأمور، وطَمَحت إلى مَعاليها، برَزوا في دِراستهم، وفاقوا أقْرانهم، عُرِفوا بالخُلق الجميل، فأحبَّهم الناس وأَلِفوهم، إن حضروا مَحفلاً أُشير إليهم، وإن غابوا فُقِدوا، وهم بحمد الله كثيرٌ، فلا تَقعد بك هِمَّتك عن اللحاق برَكْبهم، فاستعنْ بالله وتوكَّل عليه، واعْلَم أنَّ للشاب الذي نشأ في طاعة الله جزاءً عظيمًا؛ ففي الصحيحين: ((سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظله: إمام عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله - عزَّ وجلَّ ...)).
 نسأل الله تعالى أنْ يَجعلك أيها الشاب عبدًا لله صالحًا، ولأُمَّتك نافعًا.
اللهم احْفَظنا واحْفَظ أولادنا، اللهم آمِن رَوعاتنا، واستُر عوراتنا، ربَّنا هبْ لنا من أزواجنا وذريَّاتنا قُرَّة أعين، واجْعَلنا للمتقين إمامًا، أقول قولي هذا

الواجب نحو مشكلات الشباب

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments



Top