أدخل كلمة للبحث

  • تسجيل الدخول
  • الفهرس
  • القرآن الكريم
  • أمثلة و حكم
  • اتصل
  • السبت 26, أبريل 2025








بلاغ عام

حصريا بالموقع

    • اسماء الله الحسنى: مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة

      اسماء الله الحسنى: مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.توطئة: أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس أسماء الله الحسنى، وفي هذا الدرس نتحدث بشكل عام عن مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة إلى الله. 1 – القوة الإدراكية في الإنسان: بادئ ذي بدء، لقد أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وميّزه بهذه القوة عن بقية المخلوقات، هذه القوة الإدراكية تستلزم طلب الحقيقة، فقد خلق فيه حاجة عليا للمعرفة، وما لم تلبَّ هذه الحاجة العليا، وما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة، وما لم يبحث عن سر وجوده، وعن غاية وجوده، وعن أفضل شيء يمكن أن يفعله في وجوده فقد هبط عن مستوى إنسانيته، هناك حاجات سفلى، وحاجات دنيا، وهناك حاجات عليا مقدسة. فالله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان هذه القوة كي تلبَّى، لذلك الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة، والذي يتعرف إلى سر وجوده، وإلى غاية وجوده هو إنسان لعله اقترب من أن يؤكد ذاته، ويحقق وجوده في الأرض. 2 – أصلُ الدين معرفةُ الله: النقطة الدقيقة أن أصل الدين معرفة الله، وفضلً معرفة الله على معرفة خَلقه كفضل الله على خلقه، وكم هي المسافة كبيرة جداً بين أن تعرف شيئاً من مخلوقات الله وأن تعرف خالق السماوات والأرض، المسافة كبيرة جداً، فعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))[رواه الدارمي في سننه] والآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه، فلذلك ما من معرفة تعلو على أن نعرف الله عز وجل: (( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء))[ورد في الأثر] أيها الإخوة الكرام، لو أن طفلاً صغيراً قال: معي مبلغ عظيم، كم نقدر هذا المبلغ ؟ نقدره مئتي ليرة مثلاً، أما إذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى: أعددنا مبلغاً عظيماً للحرب، فإنك تقدره مئتي مليار، الكلمة نفسها قالها طفل فقدرناها برقم، وقالها إنسان آخر فقدرناها برقم، فإذا قال خالق السماوات والأرض: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾( سورة النساء ) 3 – لا شيء يعلو على مرتبة العلم: لذلك لا شيء يعلو على مرتبة العلم، وإذا أدرت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل. بالمناسبة، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاًَ. 4 – معرفةُ الآمرِ قبل معرفة الأمر: أيها الإخوة الكرام، هناك نقطة دقيقة جداً ؛ يمكن أن تتعرف إلى الله، ويمكن أن تضعف معرفتك بالله، وتتعرف إلى أمره ونهيه، لكن الحقيقة الصارخة أنك إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، بينما إذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر. كأنني وضعت يدي على مشكلة العالم الإسلامي الأولى، الصحابة الكرام قلة، وقد وصلت راياتهم إلى أطراف الدنيا، لأنهم عرفوا الله، وحينما اكتفينا بمعرفة أمره، ولم نصل إلى معرفته المعرفة التي تحملنا على طاعته كما ترون حال العالم الإسلامي فإننا لسنا ممكَّنين، والله عز وجل يقول: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي (55) ﴾( سورة النور) نحن كما في الآية الكريمة، وهذا هو الواقع المرّ، نحن لسنا مستخلَفين، ولسنا ممكَّنين، ولسنا آمنين، والكرة في ملعبنا، لأنه: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) ﴾( سورة مريم) إذاً: الفرق واضح بين الرعيل الأول من الصحابة الكرام الذين عرفوا الله، وطبقوا منهجه، فاستحقوا وعود الله عز وجل، وكما تعلمون جميعاً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين. على كلٍّ ؛ قضية العلم واسعة جداً، قال بعض العلماء: هناك علم بخلقه، يعني عندنا واقع، والعلم وصف ما هو كائن، هناك ظواهر فلكية، علم الفلك، ظواهر فيزيائية، علم الفيزياء ظواهر كيميائية، علم الكيمياء، ظواهر نفسية علم نفس، ظواهر اجتماعية علم الاجتماع، فالعلم مختص بما هو كائن، وهو علاقة مقطوع بها بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل، هذا هو العلم. 5 – العلم بخَلقه أصلُ صلاح الدنيا، والعلمُ بأمْره أصل صلاح الآخرة: لكن هناك شيء آخر، هناك علم بأمره، العلم بخَلقه من اختصاص الجامعات في العالم، أية جامعة تذهب إليها فيها كليات العلوم، والطب، والهندسة، والصيدلة، وما إلى ذلك، هذا علم بخلقه، والعلم بخلقه أصل صلاح الدنيا، والمسلمون مفروض عليهم فرضاً كفائياً أن يتعلموا هذه العلوم كي يكونوا أقوياء، لذلك العلم بخلق الله أصل في صلاح الدنيا، أما العلم بأمره فأصل في العبادة، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( سورة الذاريات )العبادة:1 – تعريف العبادة:س والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.2 – الكليات الثلاث في العبادة: هذا التعريف فيه كليات ثلاث، فيه كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية:الكلية السلوكية هي الأصل، وما لم يستقم المسلم على أمر الله فلن يستطيع أن يقطف من الدين شيئاً، هذه الكلية السلوكية. المؤمن ملتزم، المؤمن مقيَّد بمنهج الله عز وجل، المؤمن في حياته منظومة قيم، عنده فرض، عنده واجب، عنده سنة مؤكدة، سنة غير مؤكدة، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام، العلم بأمره أصل في قبول العبادة.3 – العبادات شعائرية وتعاملية: بالمناسبة العبادة واسعة جداً، هناك عبادة شعائرية، وهناك عبادة تعاملية، العبادات الشعائرية منها الصلاة والصوم لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال بعض العلماء: " ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة:(( والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا ))[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند ضعيف]العلمُ بأمر الله ونهيه فرض عين: هناك علم بخلق الله، والمسلمون مدعوون إلى طلب هذا العلم، بل هو عليهم فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، وهو أصل في صلاح الدنيا، بينما العلم بأمره أن تعرف الحلال والحرام، أن تعرف أحكام التعامل التجاري، أحكام التعامل اليومي، هذه كلها من أحكام الفقه، ولا بد من أن يتعرف الإنسان إليها، لتأتي حركته في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل. إنك بالاستقامة تسلم، لأنك تطبق تعليمات الصانع، وما من جهة في الأرض أجدر من أن تتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة، لأنها الجهة الخبيرة وحدها: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾( سورة فاطر الآية: 19 ) العلم بأمره فرض عين على كل مسلم، العلم بخَلقه فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكل، بينما العلم بأمره فرض عيني على كل مسلم، كيف تعبد الله ؟ من أجل أن تعبده لا بد من أن تعرف أمره ونهيه، فالعلم بخلقه من أجل صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، وعلم بأمره من أجل قبول العبادة.العلمُ بأمر الله يحتاج إلى دراسة، والعلم بالله يحتاج على مجاهدة: لكن بقي العلم به، العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة، إلى مدرس، إلى كتاب، إلى وقت، إلى مطالعة، إلى مذاكرة، إلى مراجعة، إلى أداء امتحان، إلى نيل شهادة، ولكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة. أنت حينما تلتزم، وحينما تأتي حركتك في الحياة مطابقة لمنهج الله عز وجل عندئذ يتفضل الله علينا جميعاً فيمنحنا وميضاً من معرفته جل جلاله، فلذلك العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، وعلم بأمره يحتاج إلى مدارسة أيضاً والعلم بخلقه وبأمره أصل في صلاح الدنيا، ومن أجل قوة المسلمين، والثاني أصل في قبول العبادة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، فبقدر ما تضبط جوارحك، بقدر ما تضبط حركاتك وسكناتك، بقدر ما تضبط تطلعاتك وبيتك وعملك، بقدر ما يتفضل الله عليك بأن يمنحك شيئاً من معرفته.طرق معرفة الله تعالى: الحقيقة نحن أمام طرق ثلاثة سالكة:الطريق الأولى: النظرُ في الآيات الكونية: أول بند آياته الكونية، قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) لذلك من أجل أن نعرف الله عز وجل لا بد من أن نتفكر في مخلوقاته، والآية واضحة جداً، وفيها إشارة دقيقة إلى أن المؤمن يتفكر في خلق السماوات والأرض تفكراً مستمراً، والفعل المضارع ( يتفكرون ) يدل على الاستمرار، فمن أجل أن أعرف الله ينبغي أن أتفكر في مخلوقاته. هذا الكون أيها الإخوة الكرام ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقد قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي. أول شيء، هناك آيات كونية تحتاج إلى تفكر، الآيات الكونية نتفكر بها، وهذا طريق آمن، لأن كل ما في الكون يعد مظهراً لأسماء الله الحسنى، وهذا موضوع الدرس الأول. ترى في الكون رحمة، إذاً: الله رحيم، ترى في الكون حكمة، إذاً: الله حكيم، ترى في الكون قوة، الله قوي، ترى في الكون غنى الله غني، فكأن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا طريق إلى معرفة الله. بالمناسبة في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون. أيها الإخوة الكرام، بربكم إن قرأت آية فيها أمر، تقتضي هذه الآية أن تأتمر، وإن قرأت آية فيها نهي، تقتضي هذه الآية أن تنتهي، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل الجنة تقتضي هذه الآية أن تسعى لدخول الجنة، وإن قرأت آية فيها وصف لحال أهل النار تقتضي هذه الآية أن تتقي النار، ولو بشق تمرة، وإن قرأت قصة أقوام سابقين دمرهم الله عز وجل تقتضي هذه الآية أن نتعظ، وأن نبتعد عن كل عمل يفعله هؤلاء. الآن السؤال: وإذا قرأت آية فيها إشارة إلى الكون، إلى خلق الإنسان، ماذا تقتضي هذه الآية ؟ تقتضي هذه الآية أن تفكر في خلق السماوات والأرض. أيها الإخوة الكرام، ألف وثلاث مئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون، وخلق الإنسان، والآية مرة ثانية أرددها على مسامعكم: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) هذا طريق سالك إلى الله، وهو التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو طريق سالك وآمن ومثمر.الطريق الثانية: النظرُ في أفعالِ الله تعالى: هناك طريق آخر، قال تعالى:﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) ﴾( سورة النحل ) الآن الطريق الثاني في معرفة الله: أن تنظر في أفعاله، الله عز وجل فعّال لما يريد، وأفعاله متعلقة بالحكمة المطلقة، وقد قال بعض العلماء: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وأراده الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق. بالمناسبة، هناك آيات كونية هي خَلقه، وهناك آيات تكوينية هي أفعالُه، وهناك آيات قرآنية كلامُه، إذاً: طريق معرفة الله التفكر في آياته الكونية خلقه، والنظر في آياته التكوينية أفعاله، ثم تدبر آياته القرآنية. ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لـــما وليت عنا لغيرناو لــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتناولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحـبناولو نسمت من قربنا لك نسمـــة لمت غريباً و اشتياقاً لقربنـــا***آية فيها سلامة الإنسان: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ أيها الإخوة الكرام: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾( سورة الرعد الآية: 28 ) في القلب فراغ لا يملأه المال، ولا تملأه المتع، ولا تملأه القوة، نحن بحاجة إلى الإيمان، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾( سورة طه ) الإنسان مجبول على حب وجوده، وعلى جب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، سلامة وجوده أساسها تطبيق منهج الله، وكمال وجوده أسها القرب من الله عز وجل، واستمرار وجوده أساها تربية الأولاد كي يكون هذا الابن استمراراً لأبيه.أربع مساحات في الإسلام:1 ـ مساحة العقيدة:العقيدة أخطر المساحات الأربع: أيها الإخوة الكرام، إذا: يمكن أن نرمز إلى الإسلام بمثلث فيه أربع مساحات، المساحة الأولى: مساحة العقيدة، وأخطر شيء في الإسلام العقيدة، لأنها إذا صحت صح العمل، وإذا فسدت فسد العمل. بالمناسبة، الإسلام يقدم للإنسان تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة للكون والحياة والإنسان، لمجرد أن تقرأ القرآن الكريم فأنت أمام منظومة تصورات عميقة ودقيقة ومتناسقة، تعرف سر الحياة الدنيا، لماذا أنت في الدنيا ؟ ما حكمة المرض ؟ ما حكمة المصائب ؟ لماذا هناك موت ؟ وماذا بعد الموت ؟ ماذا قبل الموت ؟ من أين جئت ؟ وإلى أين أنا ذاهب ؟ ولماذا عندك أمن عقائدي ؟ لذلك إذا شرد الإنسان عن الله، وتوهم أفكاراً معينة، وآمن بها قد يفاجأ مفاجأة صاعقة، أن هذه الأفكار غير صحيحة، أما حينما يؤمن بالله، ويؤمن بمنهجه، والمنهج يقدم له تفسيراً عميقاً دقيقاً متناسقاً لحقيقة الكون، ولحقيقة الحياة الدنيا، ولحقيقة الإنسان عندها يفلح. فلذلك في هذا المثلث المساحة الأولى مساحة العقائد، لذلك الخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، أفضل ألف مرة أن تقع في خطأ في مفردات المنهج من أن تقع في خطأ في أصل التصور، فالميزان غير منضبط لو استخدمته مليون مرة فالوزن غير صحيح، أما إذا كان منضبطاً، وأنت أخطأت بقراءة الرقم فهذه مرة واحدة، فالخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر. لذلك أفضل ألف مرة أن نخطئ في الوزن من أن نخطئ في الميزان، فالمساحة الأولى في المثلث هي مساحة العقيدة، فإن صحت صحّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، وما من انحراف في السلوك إلا بسبب انحراف في العقيدة، ولو أن العقيدة لا يتأثر بها السلوك فاعتقد ما شئت، ولكن ما من خطأ في العقيدة إلا وينعكس خطأ في السلوك. للتقريب: أحياناً يخطئ الطيار في تحديد الهدف في الجو بميليمتر واحد، هذا الميليمتر في الجو ينقلب في الأرض إلى كيلو متر، فالخطأ في العقيدة له آثار سيئة جداً، لذلك يجب أن تصح عقائدنا، والإنسان بحاجة إلى أن يراجع ما يعتقد، أحياناً يعتقد شيئا غير صحيح، خرافة أحياناً، شيئا شاع بين الناس، فلابد من بحث في العقيدة، والشيء الدقيق أن الله لو قبِل من إنسان عقيدة تقليداً لكان كل الضالين في الأرض مقبولين عند الله، لكن لأن الله عز وجل يقول:﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾( سورة محمد ) لا تقبل العقيدة من المؤمن إلا تحقيقاً، قضية التقليد مرفوضة، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾( سورة محمد )2 ـ مساحة العبادة:الأصل في العبادات المنعُ والحَظْرُ: المساحة الثانية في المثلث مساحة العبادات، والأصل في العبادات الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي والثابت، لأن العبادات قربات إلى الله، والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( سورة الذاريات ) والعبادة علة وجودنا، بل هي سر وجودنا، لكن لهذه العبادة مفهومات دقيقة جداً، ولها مفهومات واسعة. العبادة تدور مع الإنسان حيثما دار في كل أوقاته، وفي كل أحواله، وفي كل شؤونه فلذلك، المساحة الثانية العبادات.لا تصح العبادات الشعائرية إلا إذا صحت العبادات التعاملية: أخطر ما في الموضوع أن العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))[ مسلم عن أبي هريرة ] هذه الصلاة. الصوم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ] الحج:(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))[ ورد في الأثر ] الزكاة، قال تعالى: ﴿ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ {53} ﴾( سورة التوبة الآية: 53 ) شهادة أن لا إله لا الله:(( من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ] فالعبادات الشعائرية كالصلاة والصوم لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، فلذلك المساحة الأولى مساحة العقائد، والمساحة الثانية مساحة العبادات.3 ـ مساحة المعاملات: والمساحة الثالثة مساحة المعاملات، سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما لما سأله النجاشي عن الإسلام ماذا قال ؟ قال: (( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ))[ أحمد عن أم سلة ] إذاً: الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:(( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ))[ متفق عليه عن ابن عمر ] الإسلام بناء أخلاقي، والعبادات الخمس أركان الإسلام، لذلك قالوا: الإيمان هو الخَلق، ومن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان. أول مساحة العقائد، الثانية العبادات، الثالثة المعاملات: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام. والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا.4 ـ مساحة الأخلاق: المساحة الأخيرة مساحة الأخلاق:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ما لم تكن متمسكاً بمكارم الأخلاق، ما لم يكن منصفاً، ما لم يكن متواضعاً، ما لم يكن رحيماً فكأنك لن تقطف ثمار هذا الدين.خاتمة: أيها الإخوة الكرام، هذا تقديم وتمهيد لموضوع أسماء الله الحسنى، يقول الله عز وجل:﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) ﴾( سورة طه ) ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾( سورة الأعراف ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))[ متفق عليه ] وهاتان الآيتان وهذا الحديث نشرحهما إن شاء الله في درس قادم.والحمد لله رب العالمين

    • الصَّلاة

    • المصائب

بالصوت و الصورة

الأربعاء، 21 ديسمبر 2016
chalhaoui

الرحمة





الرحمة


لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الرحمة :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع اليوم: "الرحمة".
أُذكركم أيها الأخوة بأن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 180 ]
أفضل وسيلةٍ للتقرب إلى الله تعالى أن ترحم عباده
من معاني هذه الآية أنك لا تتقرب إلى الله بأعظم من أن تتخلق بكمالٍ من كمالاته، فالله جلّ جلاله رحمن رحيم، وأفعل وسيلةٍ للتقرب إليه أن ترحم عباده، فإذا رحمتهم وصلت إليه، علاقة هذا الموضوع بهذه السلسلة من الدروس علاقة وشيجة، أنت حينما ترحم من حولك تستطيع أن تتقرب إلى الرحمن الرحيم.
فلذلك:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
ولكن سوف نقف في هذا اللقاء الطيب عند بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن الرحمة.
الله جلّ جلاله خلقنا ليرحمنا و يسعدنا :
بادئ ذي بدء: الله جلّ جلاله خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، وقد يقول قائل: فما بال هذه المصائب وما أكثرها؟ نقول: المركبة السيارة صنعت من أجل أن تسير، علة صنعها السير، ما بال المكبح فيها؟ المكبح من حيث المنطلقات يتناقض مع علة صنعها، المكبح يوقفها وصنعت كي تسير، لكن المكبح أعظم ضمانةٍ لسلامتها، أعظم ضمانة لسلامة المركبة المكبح مع أنه يتناقض فكرياً مع علة صنعها.
مصائب الدنيا تحدث لحكمة بالغة لا يعلمها إلا الله
فلذلك المصائب لها حكمةٌ بالغةٌ بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
لذلك بعض علماء العقيدة يرى أنه ينبغي أن تذكر بعض أسماء الله الحسنى مثنى مثنى، المعز المذل معاً، يذل ليعز، الخافض الرافع، يخفض ليرفع، الضار النافع، يضر لينفع، المعطي المانع، يمنع ليعطي.
لذلك ورد:
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ـ لأنه مؤقت ـ ولم يحزن لشقاء ـ لأنه مؤقت ـ قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي))
[ من كنز العمال عن ابن عمر ]
الحب أصلٌ في الدين :
إذاً الآية الأولى:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
[ سورة هود الآية: 118 ]
كان من الممكن أن يحملنا ربنا قسراً على الهداية، هذه الهداية القسرية لا تسعدنا إطلاقاً، لذلك أراد أن تكون علاقته بنا علاقة حب، قال:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 256 ]
أراد الله أن تكون علاقته بنا علاقة حب لا علاقة قسر
ما أرادنا أن نأتيه إلا طائعين، إلا مختارين، إلا بمبادرةٍ منا، قال:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 54 ]
قال:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 165 ]
أي ما أراد الله أن تكون علاقته بنا علاقة قسر، ولا قهر، ولا إكراه، علاقة حب.
فلذلك الحب أصلٌ في الدين لأن الإنسان في الأصل عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحب، وجسمٌ يتحرك، وغذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب.
الله عز وجل أعطى الناس حرية الاختيار :
لذلك:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
ولا يزالون مختلفين لأنه خلقهم مخيرين:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 29 ]
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
[ سورة الإنسان ]
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 148 ]
الله عز وجل أعطانا حرية الاختيار
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
[ سورة الأنعام ]
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
لكنه شاء أن يعطيهم حرية الاختيار، وشاء لهم أن يأتوه طائعين، مختارين، بمبادرةٍ منهم، ولا يزالون مختلفين لأنهم مخيرون، دقق:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
[ سورة هود الآية: 119 ]
خلقنا ليرحمنا، والله أناسٌ كثيرون يقولون لك: سبحان الله! خلقنا للشقاء، من قال لك ذلك؟ هذا خلاف القرآن
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
أيّ إنسان شاء رحمة الله يصل إليها لأنها مبذولةٌ لكل مخلوق :
الآن الآية الثانية:
﴿ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 105 ]
أي إنسان شاء رحمة الله يصل إليها
على من تعود يشاء؟ تعود على الإنسان بدليل ما سيأتي بعدها.
﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
[ سورة البقرة ]
لأن فضله عظيم، أي إنسان شاء رحمة الله يصل إليها، مبذولةٌ لكل مخلوق.
﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
[ سورة البقرة ]
الله عز و جل في بعض الآيات وصف قرآنه بأنه مثاني، أي أية آيةٍ تنثني على أختها فتشرحها، ما الذي يؤكد أن فاعل يشاء نحن؟
﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾
لأن قوله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
أبعد قلبٍ عن الله القلب القاسي :
الآن هذا النبي الكريم، سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، قال تعالى عنه:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء الآية: 107 ]
فكأن علة وجودنا أن يرحمنا ربنا، الآن أكبر طريق، وأوسع طريق، وأقصر طريق، وأوسع باب نصل منهما إلى الله أن نتخلق بالرحمة، إذاً من أهم موضوعات سبل الوصول وعلامات القبول أن تكون رحيماً، والدليل:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
[ سورة الزمر الآية: 22 ]
الرحمة تدفع الناس إلى أن يلتفوا حولك
أبعد قلبٍ عن الله القلب القاسي، والآية التي تبين قانوناً رائعاً هي قوله تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
أي يا محمد بسبب رحمةٍ استقرت في قلبك كنت ليناً لهم، فالتفوا حولك، اتصال رحمة لين التفاف، يقابلها انقطاع قسوة غلظة انفضاض.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
هذه الآية أصل قانون يسمى قانون الالتفاف وقانون الانفضاض، أنت كأب، أو أنتِ كأم، أو أنت كمعلم، أو أنت كمرشد، أو أنت كداعية، أو أنت كمدير، أو كقائد، أنت محتاج إلى أن يلتف الناس حولك، أن يخضعوا، أن ينفذوا أوامرك، فالذي يدعو الناس إلى أن يلتفوا حولك شيءٌ خطير، هو أن تكون رحيماً، هذه الرحمة تنعكس ليناً في معاملتهم، هذا اللين يدفعهم إلى أن يلتفوا حولك:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
تمتع المؤمن بتصور من عند خالق السماوات والأرض :
والله أيها الأخوة، آيةٌ دقيقةٌ جداً يقول الله فيها:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾
[ سورة هود الآية: 28 ]
المؤمن لأنه آمن بالله عنده تصورات واضحة للكون والحياة
الأمور واضحة، المؤمن لأنه آمن بالله، وقرأ القرآن، عنده تصورات واضحة، رائعة، عميقة، دقيقة، متناسقة للكون، والحياة، والإنسان، عنده فلسفة للمصائب، عنده فلسفة للزمن، عنده فلسفة للحياة الدنيا، عنده فلسفة لما سيكون، المؤمن يتمتع بتصور من عند خالق السماوات والأرض.
فلذلك قال:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾
أي الأمور واضحة جداً جداً للمؤمن، حتى الذي يجري له تفسير عميق جداً، أضرب لكم بعض الأمثلة: قد تنشأ حرب أهلية في بلد، تفسر أحياناً تفسيراً دولياً إن هذا البلد نما مالياً نمواً عجيباً، فالغرب حطمه، ممكن، وهناك تفسير داخلي محلي، أي هناك صراع قوى غريبة عن هذا البلد، كل قوة معها وسائل، ومعها أسلحة، وما شاكل ذلك، نشبت حربٌ أهلية هذا تفسير محلي، وهناك تفسير طائفي، طوائف متناحرة من مئة عام، وهناك تفسير أنا أقول: نسواني، حكمتها عين، هذا تفسير نسائي، لكن هناك تفسيراً قرآنياً:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
[ سورة النحل ]
السكينة يسعد بها الإنسان ولو فقد كل شيء ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء :
لذلك:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾
[ سورة هود الآية: 28 ]
السكينة يشقى بفقدها الإنسان   ولو ملك كل شيء
هذا صلة بالله، الشعور بالرضا، الشعور بالسعادة، السكينة يسعد بها الإنسان ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، قال:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾
[ سورة هود الآية: 28 ]
أي تجد مؤمناً موظفاً، ضارب آلة كاتبة، بيته صغير، دخله محدود، لكن له صلة بالله تراه أسعد الناس، كأنه يملك الدنيا وما فيها.
حدثني أخ قال لي: مرة طلبت امرأة مساعدة مني -هو رئيس جمعية- القصة طويلة ذهبوا إلى بيتها أقسم لي بالله، قال لي: بيتها تحت الدرج، لم يمر معه بيت بهذا المستوى، تحت الدرج، المساحة العالية غرفة، والأقل مطبخ، والأقل حمام، مع فسحة سماوية بسيطة جداً، أربعة أولاد كالوردات في البيت، ثيابهم نظيفة، دخلنا إلى البيت للتحقيق، ما هذا البيت؟! قال لي: والله أقسم لي بالله قبل يوم التقى مع رجل يملك أربعة مليارات، بقدر ما شكا همه لي لم أقدر على الوقوف، أربعة مليارات، البلد لم يعجبه، الشغل سيئ، لا يوجد سيولة نقدية أمامه، قال لي: طلبي هذه المرأة ألف ليرة في الشهر، فقرروا ألفين، قالت: ألف يكفي، معاش زوجي يكفينا نحتاج إلى أجرة هذا البيت، قال لي: أنا قبل يوم التقيت مع إنسان معه أربعة مليارات يشكو همه، وجدت هذه الأسرة المتواضعة تحت درج، لما أعطيناهم ألفين رفضت، قالت: يكفي ألف.
السعيد من يتصل بالله فيهبه الرضا و الطمأنينة :
السعادة هي الصلة بالله تعالى
عندما يسعد الله إنساناً، قد يكون بيته صغيراً، قد تكون حياته خشنة، لكن إذا اتصل بالله يكون سعيداً.
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾
[ سورة هود ]
الإنسان مخير، الله عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 218 ]
نحن جميعاً إن شاء الله نرجو رحمته، نرجو أن يرحمنا في الدنيا والآخرة، نرجو أن يقربنا، نرجو أن يتجلى علينا، نرجو أن يهبنا السكينة و الرضا.
أسباب رحمة الله :
1 ـ طاعة الله وطاعة ورسوله :
الآن هذه الرحمة التي يمتلئ القلب بها ما سبيلها؟ أنت بالرحمة ترحم، فإن رحمت تصل إلى الله.
(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))
[الديلمي عن أبي بكر]
قال:
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
طاعة الله في قرآنه وطاعة الرسول في سنته طريقان إلى رحمة الله
يرحمنا الله بطاعة الله ورسوله، بطاعة الله في قرآنه وطاعة الرسول في سنته.
﴿ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 156 ]
وأنت شيء، أنت ضمن رحمة الله.
﴿ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 156 ]
أي يتقون أن يعصوني، يتقون أن يغضبوني :
﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 156 ]
إذاً: طاعة الله، وطاعة ورسوله طريقٌ إلى رحمة الله، ورحمة الله طريقٌ إلى القرب منه، علاقة هذا الموضوع بسبل الوصول أنت حينما تكون رحيماً، وترحم خلقه، يسمح لك أن تتصل به، أو أن تصل إليه.
2 ـ تلاوة القرآن :
الآن سبب آخر من أسباب رحمة الله قال:
﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
رحمة الله تأتيك من تلاوة القرآن، لذلك قال بعض العلماء: إذا قرأت القرآن فلم تشعر بشيء، وصليت فلم تشعر بشيء، وذكرت الله فلم تشعر بشيء، فاعلم أنه لا قلب لك، ابحث عن قلبٍ ذاكر، عن قلبٍ موصولٍ بالله عز وجل.
المؤمن يفرح بطاعته لله و بعمل صالح أجراه الله على يديه :
المؤمن يفرح بطاعته لله
الآن ما الذي ينبغي أن تفرح له؟ يقول لك: أنا عندي وكالة حصرية، أرباحي باليوم مليون، هذا كلام موجود، أرباحه اليومية، أحياناً هناك مواد غذائية مستوردة لها رواج كبير جداً، فإذا كان وكيلاً حصرياً، و على المادة طلب شديد، لا يبالغ، أرباحه اليومية مليون كل يوم، قال: لا تفرح بهذا الدخل الكبير، بيل غيت يملك تسعين ملياراً، شاب ليس كبيراً في السن.
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾
[ سورة يونس الآية: 58 ]
لما قارون خرج من قوم موسى:
﴿ فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
[ سورة القصص ]
لابد من أن تفرح، ولكن بماذا يفرح؟ المؤمن يفرح بطاعته لله، يفرح بفهمه لكتاب الله، يفرح بعمل صالح أجراه الله على يديه، يفرح أنه ربى أولاده، يفرح بأن دخله حلال، إنفاقه حلال، بيته إسلامي، يفرح أن الله وفقه بالدعوة إلى الله.
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
[ سورة يونس ]
مستقبل الإنسان في الآخرة لا في الدنيا :
أحياناً تدخل إلى بيت يقول لك: سعره مئة وثمانون مليوناً، لكن أين صاحبه؟ بالقبر، من اختار البلاط؟ المرحوم، من اختار الثريات الرائعة؟ المرحوم، من اختار هذا المنظر الطبيعي الرائع؟ المرحوم،
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
مستقبلك عند الله في الآخرة، فنعيم الدنيا زائل
سبحان الله! الإنسان يجمع الدنيا لبنةً فوق لبنة، خلال عمر مديد، ثم يفقدها في ثانية واحدة.
إنسان ساكن ببيت تحت الأرض شمالي، تقريباً عاش في البيت ثلاث وعشرين سنة، وهو يجمع ويجمع حتى تمكّن من شراء بيت، له إطلالة جميلة جداً، فجلس في الشرفة بأول يوم سكن فيه مع زوجته قال لها: الآن أمَّنا مستقبلنا ، ثالث يوم كان متوفى تحت الأرض، ليس هناك مستقبل، مستقبلك عند الله، مستقبلك في الآخرة،
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
الإنسان إن لم يعرف ربه حيثما تأتي كلمة إنسان معرفةً بأل فهو الإنسان قبل أن يعرف الله.
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾
[ سورة هود الآية: 9-10]
يفرح فرحاً باطلاً، وييأس يأساً باطلاً، يأس وباطل، وفرح وباطل، إلا إذا عرف الإنسان ربه.
3 ـ الإحسان :
الآن: الطاعة طريقٌ لرحمة الله، تلاوة القرآن طريقٌ آخر لرحمة الله، هناك طريق ثالث.
﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
بالطاعة يرحمك الله، وبتلاوة القرآن يرحمك الله، وبالإحسان يرحمك الله.
الرحمة بيد الله لا بيد البشر :
علاقتك مع الله فالأمر بيده وحده
الآن هذه الرحمة بيد الله لا بيد البشر، لذلك قال تعالى:
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
[ سورة فاطر ]
الأمر بيده وحده، علاقتك مع الله، يقول لك: معي فتوى من فلان، خير إن شاء الله! لو استطعت أن تنتزع فتوى من فم رسول الله ولم تكن على حق لا تنجو من عذاب الله.
(( إنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار))
[ أخرجه ابن ماجه وأبو يعلى والإمام أحمد وابن حبان عن أبي هريرة ]
4 ـ العلم :
العلم طريقٌ لرحمة الله
الآن هناك موازنات بالقرآن:
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة الزمر الآية: 9 ]
معنى ذلك أن العلم طريقٌ لرحمة الله، أصبح الطاعة، القرآن، الإحسان، العلم، هذه كلها سبل الوصول إلى الله عز وجل.
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
[ سورة الزمر ]
مهما كبر الذنب
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
القنوط واليأس كفرٌ بالله عز وجل :
لذلك أيها الأخوة، المؤمن لا يقنط أبداً، والقنوط واليأس كفرٌ بالله عز وجل، لكن الله عز وجل ينصحنا.
أخواننا الكرام، الإنسان أحياناً يعمل بالتجارة، بالزراعة، بالصناعة، بالخدمات، يحمل شهادة عليا، يكسب رزقه، في درجة أعلى من كسب الرزق، ينتقل إلى مرحلة اسمها الجمع، أي يجب أن يربح ثلاثين مليوناً، والله السنة الأسواق عاطلة، خسرنا خمسة ملايين، أي قلّ ربحه بمقدار خمسة ملايين، فهناك حالة تصيب التجار والصناعيين هي حالة الجمع، ينتقل من مرحلة كسب الرزق إلى مرحلة الجمع، المباهاة، كم حجمك المالي؟ والله ثلاثمئة مليون لا شيء، لنا أخ أربعة آلاف مليون، الآن الكلام بالمليارات، كان بالملايين الآن بالمليارات القنوط واليأس كفرٌ بالله عز وجل
الله عز و جل يقول لنا:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
[ سورة الزخرف ]
إلهٌ ينصحك، أنت تعرف ربك، مستقيم، تقرأ القرآن، لك أعمال صالحة، ربيت أولادك، لا تملك شيئاً من الدنيا،
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خيْرٌ﴾
من طاعتك، من إخلاصك، من تربية أولادك، من أعمالك الصالحة
﴿ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
قال له: أين تذهب؟ شاب بمقتبل العمر توفي والده من أسبوع، فالتقى به صديق والده، قال له: أين؟ قال له: ذاهب أسكر على روح أبي، خلّف له أموالاً طائلة، وهو جاهل ومنحرف،
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
رحمة الله تقتضي ألا يرد بأسه عن إنسان شرد عن الله عز وجل :
الآن أحياناً تقتضي رحمة الله أن يؤدبك.
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
[ سورة الأنعام ]
تقتضي رحمة الله ألا يرد بأسه عن إنسان شرد عن الله عز وجل.
اعتزال من لا يعبد الله عز وجل و الابتعاد عنه :
أيها الأخوة، الآن أحد طرق الوصول إلى رحمة الله، قال تعالى:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 16 ]
مجتمع اختلاط، عرس مختلط، النساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، جلسة كلها كذب ونفاق، جلسة كلها غيبة ونميمة، جلسة كلها فتن:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 16 ]
أي لا يعبدون الله، أما إذا عبدوا الله فينبغي ألا تعتزلوهم.
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 16 ]
أعظم شيء في حياة الإنسان عمل صالح يلقى الله به :
الآن الجامع كهف، الآن بيتك كهف، ادخل إلى بيتك وصلِّ، ادخل إلى بيتك واقرأ القرآن، ادخل إلى بيتك و ربِّ أولادك:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 16 ]
بالدخول للمسجد تحتاج إلى سكينة تتنزل على قلبك
لذلك النبي الكريم إذا دخل المسجد يقول:
((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك ))
[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي حميد وأبي أسيد]
الرحمة في المسجد، فإذا خرج من المسجد:
(( اللَّهمَّ إني أسألك من فضلك ))
[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي حميد وأبي أسيد]
في الحياة العامة تريد عملاً صالحاً يرحمك الله به، بالدخول للمسجد تحتاج إلى سكينة تتنزل على قلبك، فبالدخول:
((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك ))
بالخروج:
(( اللَّهمَّ إني أسألك من فضلك ))
قال:
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ﴾
[ سورة الكهف ]
رحمة الله تأتينا من طاعته ومن الجهد الذي يُبذل للوصول إليه سبحانه :
أيها الأخوة، أحياناً:
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾
[ الإسراء الآية: 28 ]
رحمة الله تأتي من تلاوة القرآن
قال لي إنسان: والدي أمرني بتطليق زوجتي، قلت له: كيف زوجتك؟ قال لي: جيدة جداً يا أستاذ، صاحبة دين، محجبة، لكن أبي لا يحبها، قال لي: طلقها، ماذا أفعل؟ قلت له :لا تطلقها، قال لي: أليس سيدنا عمر أمر ابنه أن يطلق زوجته؟ قلت له: أبوك عمر؟ إذا كان أبوك عمر بن الخطاب فطلقها، لكن أباك ليس عمراً.
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً ﴾
[ سورة الإسراء ]
كن لطيفاً لكن لا ترد عليهم. قالت له: إما أن تكفر بمحمد أو أن أدع الطعام حتى أموت- أم سيدنا سعد بن أبي وقاص- قال: يا أمي لو أن لك مئة نفسٍ فخرجت واحدةً واحدة ما كفرت بمحمد، فكلي إن شئت أو لا تأكلي، أكلت فيما بعد.
أيها الأخوة، رحمة الله تأتينا من طاعة الله، وتأتينا من تلاوة القرآن، وتأتينا من العمل الصالح:
﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
وتأتينا أيضاً من هذا الجهد الذي يُبذل للوصول إلى الله عز وجل.
والحمد لله رب العالمين
الرحمة

شاهد ايضا

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments



Top